الزخارف
والألوان البديعة لقواقع السلاحف
الدكتور
منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
إن
من معجزات الخلق في الكائنات الحية هو تفرد كل نوع من انواعها بشكله ولونه الخاص
رغم وجود ما يزيد عن مليوني نوع مسجل من
هذه الكائنات الحية من نباتات وحيوانات. بل بلغ الإعجاز في الخلق أنه حتى أفراد النوع
الواحد يمكن تمييزها عن بعض البعض من خلال تغييرات بسيطة في أحجامها وأشكالها
وألوانها وبفية خصائص أجسامها. وإذا ما قارنا ذلك مع ما يصنعه البشر من أشياء نجد
محدودية الأشكال والألوان لهذه المصنوعات كما نجد ذلك في صناعة السيارات والأثاث
والملابس والألعاب وغيرها. ولقد لفت القرآن الكريم في عدة آيات أنظار البشر إلي
ظاهرة التنوع في أشكال وألوان أجسام مختلف أنواع المخلوقات على الأرض سواء كانت
حية أو غير حية لما فيها من الأسرار التي ستقنع البشر بإستحالة أن تكون هذه
المخلوقات قد خلقت بالصدفة بل لا بد لها من خالق لا حدود لعلمه وقدرته سبحانه
وتعالى. ومن العجيب أن القرآن الكريم قد لفت أنظار
البشر إلى هذه المعجزة رغم أنه نزل على
قوم يعيشون في بيئة صحراوية لا يوجد فيها إلا العدد القليل من أنواع المخلوقات
الملونة فقال عز من قائل "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ
بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ
وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى
اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)"
فاطر والقائل سبحانه "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ
زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ
يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) "
الزمر والقائل عز من قائل "وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ
مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)"
النحل.
لا
يكاد يخلو أي نوع من أنواع الكائنات الحية من معجزات في تصميم شكله وألوان جسمه
إلا أن السلاحف تتفرد في أشكال قواقعها وكذلك وجود زخارف عجيبة على هذه القواقع.
وتتفرد السلاحف على بقية الحيوانات الفقارية بأن جزءا من هيكلها العظمي قدر برز
خارج جسمها وأصبح درعا على شكل قوقعة يقوم
بحمايتها من الكائنات المفترسة. فقد تحور القفص الصدري مع جزء من العمود الفقري
للسلاحف ليصبح على شكل صفائح عظمية أحاطت ببقية أعضاء الجسم لأغراض حمايتها ولتدلل
على أن من قام بهذا التصميم مبدع لا حدود لإبداعه سبحانه وتعالى. وتتكون القوقعة من أكثر من خمسين صفيحة عظمية
ملتحممة ببعضها البعض. وتغطي الصفائح العظمية طبقة من مادة قرنية تتخذ ألوان غاية
في التنوع وكذلك تم رسم أشكال مختلفة من الزخارف على كل صفيحة من هذه الصفائح قد
تكون مكررة وقد تكون مختلفة وذلك حسب نوع السلحفاة.
تتكون
قوقعة السلحفة من جزيئين رئيسيين وهما الدرع (carapace) والصدار (plastron) فالدرع هو
الجزء العلوي والظاهر من القوقعة وهو على شكل قبة بتحدب يعتمد على نوع السلحفة وأما
الصدار فهو الجزء السفلي أو البطني من القوقعة وهو مسطح
الشكل ويلتحم الدرع والصدار من الجوانب أما من الأمام والخلف فتوجد فتحات يخرج من
الرأس والأرجل الأمامية والخلفية والذيل. ويتكون الدرع وكذلك الصدار من عدد كبير
من الصفائح العظمية ملتحمة ببعضها البعض ومرتبة بأشكال هندسية بارعة. فالدرع في
معظم السلاحف يتكون من خمسة صفائح ظهرية أو فقارية (vertebral scutes) تقع في مننصف الدرع وتمتد على شكل صف واحد من الأمام إلى الخلف
ومن أربعة أزواج من الصفائح الجانبية (pleural scutes) تمتد كصفين على جانبي صف الصفائح الظهرية. وعلى محيط الدرع يوجد
إثنا عشر زوجا من الصفائح الحدية أو الهامشية (marginal
scutes) والتي عادة ما تمتد حوافها خارج خط التقاء
الدرع مع الصدار وقد تكون حواف هذه الصفائح مستقيمة أو متعرجة. ويتكون الصدار في الغالب من ستة أو سبعة أزواج
من الصفائح العظمية مرتبة على شكل صفين تمتد من الأمام إلى الخلف.
يوجد
ما يقرب من ثلاثمائة نوع من السلاحف أغلبها سلاحف برية (tortoise) وقليل منها سلاحف مائية (turtles) وبأوزان
تتراوح بين مئات الغرامات وعدة مئات من الكيلوغرامات. ودروع السلاحف البحرية أقل
تسطحا من تلك في السلاحف البرية لتسهل عليها السباحة في الماء. وجميع السلاحف تحتاج
أن تتنفس الهواء من الجو وهذا يتطلب خروج السلاحف البحرية باستمرار لاستنشاق
الهواء. وتتميز السلاحف البرية بقدرتها على إدخال رأسها وأطرافها إلى داخل القوقعة
بينما لا يمكن للسلاحف المائية فعل ذلك. وتكون أرجل السلاحف البرية مدورة وممتلئة
لتتمكن من المشي عليها بينما تكون أرجل السلاحف البحرية مسطحة وغشائية للتمكن من
السباحة في الماء. وعلى العكس من السلاحف البرية التي لا تتجاوز سرعتها نصف
كيلومتر في الساعة بسبب قصر أقدامها فإن سرعة السلاحف البحرية قد تصل إلى ثلاثين
كيلومتر في الساعة. وتتكاثر السلاحف بالبيوض ويتغذى معظمها على النباتات وبعضها
على الحشرات وهي من أطول الزواحف بل الحيوانات عمرا فقد يتجاوز عمر بعض الأنواع المائة
عام. ويتحدد جنس السلحفة من درجة حرارة المحيط التي توضع فيه البيوض فإذا كانت
درجة الحرارة أقل من 28 درجة مئوية فالسلاحف المفقسة تكون من الذكور وإذا كانت
أكثر من 30 درجة فهي من الإناث وفيما بين هاتين الدرجتين يكون الناتج خليط من
الذكور والإناث.
تتميز قواقع السلاحف عن بقية أجسام الكائنات الأخرى بكثرة الأشكال الزخرفية المرسومة عليها والتي
رسمت بطريقة بديعة تدعو إلى العجب. فعلى كل صفيحة من صفائح الدرع البالغة 38صفيحة يوجد رسمة معينة قد تكون مكررة
على جميع الصفائح وقد يكون على كل نوع من الصفائح رسمة خاصة بها فالصفائح الفقارية
لها رسومها الخاصة بها وكذلك الحال مع البقية. وغالبا ما نجد وجود إزاحة في موقع
الرسمة على الصفائح المختلفة عن الرسمة الموجودة في الصفيحة التي تقع في منتصف
الدرع حيث تبدو الرسمة فيها كاملة بينما تبدو في الصفائح الأخرى مقصوصة. وأما
الخاصية التي تعطي قواقع السلاحف جمالها فهي أن المادة القرنية التي تغطي الصفائح
تنمو على شكل حلقات من منتصف الصفيحة بحيث تشكل هذه الحلقات منظرا ثلاثي الأبعاد وتبدو
أنها أكبر من حجمها الحقيقي. وترسم الزخارف على الصفائح بطرق لا حصر لها كخطوط على
شكل أشعة أو مبعثرة وحلقات دائرية أو مستطيلة أو بقع مربعة أو مستطيلة أو دائرية أو
غير منتظمة أو نقاط صغيرة مبعثرة أو مرتبة وغير ذلك من الأشكال المثيرة. أما الألوان فقد تم اختيارها ومزجها بشكل يبعث
على الدهشة فهناك ألوان للخلفية وألوان للزخارف ويغلب على ألوان السلاحف البرية
اللون البني والأصفر والأسود والذهبي بينما
تغلب الألوان الفاقعة على السلاحف البحرية. إن عرض صور بعض أنواع السلاحف البرية
والبحرية يغني عن كثير من الشرح حول هذه الألوان والزخارف العجيبة على قواقعها.