وأنبتنا فيها من كل شيء موزون
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة
العلوم والتكتولوجيا الأردنية
إن أحد
معجزات الحياة على الأرض هو استمرارها بتوازن منقطع النظير لما يزيد عن ستمائة
مليون سنة رغم أن الكائنات الحية لا ينفك يأكل بعضها بعضا مما قد يعرض أكثرها للانقراض.
فعلماء الحياة قد اكتشفوا أن الكائنات الحية الأولية وحيدة الخلية قد ظهرت
على الأرض قبل ما يقرب من ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون سنة أما أول أشكال الكائنات
الحية متعددة الخلايا فقد ظهرت في بداية العصر الكامبري قبل ما يقرب من ستمائة
مليون سنة. وفي فترة وجيزة نسبيا بدأت
أنواع لا حصر لها من الكائنات الحية
متعددة الخلايا بالظهور لتملأ بحر وبر
الأرض بما يسمى الانفجار الكامبري ( Cambrian explosion)
وما يسمى بالحدث الكبير لتنوع الحياة (The Great Biodiversification Event). وهذا الحدث هو ما أشار
إليه القرآن الكريم في قوله تعالى "خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ
أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ(10)"
لقمان وقوله تعالى " إِنَّ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا
يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)" الجاثية.
إن
استقرار أي نظام مادي أو حيوي يتطلب وجود
توازن بين جميع القوى أو المؤثرات التي تعمل فيه. ومن المعروف أن تصميم مثل هذه
الأنظمة المستقرة هي عملية ليست بالسهلة حيث تتطلب معرفة مدخلات ومخرجات النظام والعوامل
والعمليات التي يجريها النظام على هذه
المدخلات والمخرجات ووضع قيود أو شروط عليها لتبقى ضمن نطاق الاستقرار. وقد يكون تصميم
الأنظمة المادية المستقرة سهلا بعض الشيء
بسبب المعرفة التامة للعوامل والعمليات لهذه الأنظمة. أما الأنظمة الحيوية أو
البيئية فإنها في غاية النعقيد بسبب كبر حجم
هذه الأنظمة وكثرة العوامل والعمليات التب تجري فيها إلى جانب غياب المعرفة التامة
لها . فالنظام الحيوي على الأرض يتكون من
عدد من أنواع الكائنات الحية يقدره العلماء بما يزيد عن خمسة ملايين نوع ويتراوح
عدد أفراد كل نوع من هذه الأنواع بين عدة
آلاف إلى أعداد لا حصر لها كما في
الكائنات الدقيقة كالبكتيريا والفايروسات. وقد
يبدو من معرفة خصائص بعض هذه الكائنات
أن النظام الحيوي لا يمكن أن يكون مستقرا
فالبكتيريا والفايروسات بسبب سرعة تكاثرها وانتشارها يمكنها القضاء على كثير من
الكائنات الحية وما الأمراض المعدية التي تصيب البشر كالطاعون وغيره لأكبر دليل على ذلك.
لقد أكد
القرآن الكريم في آيات كثيرة على أن
مكونات هذه الكون بما فيها الحياة على الأرض تحتاج لتقدير بالغ في تصميمها لكي تعمل بشكل مستقر لفترات زمنية طويلة كما في قوله تعالى "تبارك
الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1) الذي له
ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره
تقديرا (2) " الفرقان وقوله تعالى " إِنَّا
كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) " القمر وقوله
تعالى " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ
تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ
خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ "
النمل 88. بل لقد أشار القرآن الكريم إلى وجود توازن في كل ما خلق الله عز وجل من كائنات حية
على سطح هذه الأرض وذلك في قوله تعالى" وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ
وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ" الحجر 19. ولقد
أثار هذا التوازن العجيب في الطبيعة (The balance of
nature ) اهتمام العلماء في هذا العصر وقاموا
بأبحاث كثيرة لكشف أسرار هذا التوازن من خلال معرفة الآليات التي حفظت هذا التوازن
لمئات الملايين من السنين. إن مثل هذا التوازن البالغ التعقيد يتطلب تحديد
خصائص كل نوع من أنواع الكائنات الحية التي يبلغ عدد المعروف منها اليوم ما يزيد
عن مليوني نوع وذلك من حيث أعدادها وأحجامها وطرق تكاثرها وسرعة هذا التكاثر وطرق
حصولها على الغذاء ونوع الغذاء الذي يناسبها والوسائل التي تتبعها في الدفاع عن
نفسها ضد من يحاول افتراسها ومدى مقاومتها للظروف الجوية التي تحيط بها وإلى غير
ذلك من الخصائص التي يصعب حتى على المختصين حصرها. ولقد تبين للعلماء أن هناك
آليات بالغة التعقيد أودعها الله في هذه الكائنات لكي تضمن هذا التوازن تمكن هؤلاء
العلماء من اكتشاف بعضها إلا أنهم لا زالوا يجهلون الكثير منها.
محدودية الموارد في الأرض
إن أول
هذه الآليات التي تضمن عدم زيادة أعداد الكائنات الحية عن حد معين هو أن كمية
المواد الخام والطاقة التي تحتاجها الكائنات الحية المنتجة محدودة على سطح هذه
الأرض. فالكائنات المنتجة الأولية (Primary producers) وهي نباتات البر وطحالب البحر لا تتكاثر إلا بوجود كميات كافية
من الماء ومن ثاني أكسيد الكربون في الهواء
والمذاب في مياه البحار وكميات كافية من ضوء الشمس. وكذلك فإن كمية الطاقة
الشمسية التي تسقط على المتر المربع الواحد من سطح الأرض محدودة مما يعني أن هناك
سقفا أعلى لكمية المواد العضوية التي يمكن
تصنيعها من قبل النباتات والطحالب في المتر المربع الواحد. وتحتوي النباتات البرية
والطحالب البحرية على أضخم مصنع لإنتاج المواد العضوية على وجه هذه الأرض حيث يقوم
هذا المصنع بتزويد جميع الكائنات الحية بالمواد العضوية اللازمة لبناء أجسامها
والطاقة اللازمة لإجراء عملياتها الحيوية. إن المادة العضوية الرئيسية التي ينتجها
هذا المصنع من خلال عملية التركيب الضوئي هو سكر الجلوكوز الذي يتم تصنيعه من
الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون فقط.
وتأخذ النباتات البرية غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء من
خلال أوراقها وتمتص الماء وبقية العناصر من التراب من خلال جذورها بينما تأخذ
الطاقة اللازمة للتصنيع من أشعة الشمس الساقطة على أوراقها. أما الطحالب البحرية
فتأخذ الماء وجميع ما تحتاجه من ثاني أكسيد الكربون وبقية العناصر من ماء البحر وتأخذ
الطاقة التي تلزمها من أشعة الشمس التي تنفذ إلى عشرات الأمتار داخل مياهه. ويقدر
العلماء كمية ثاني أكسيد الكربون الذي تأخذه النباتات والطحالب من الهواء سنويا
بخمسمائة بليون طن وكمية الماء الذي تمتصه النباتات من الأرض والطحالب من البحر
بأربعمائة وعشرة بلايين طن وكمية الطاقة التي تستمدها من ضوء الشمس بجزء من ألفي
جزء من مجموع الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض. وتنتج البلاستيدات في المقابل
ثلاثمائة وواحد وأربعين بليون طن من سكر الجلوكوز ومائتين وخمسة بلايين طن من
الماء وثلاثمائة وأربعة وستون بليون طن من الأوكسجين. ويتضح من هذه الأرقام أن
كمية الطاقة التي يتم تخزينها في المواد العضوية التي تنتجها البلاستيدات في كل
عام تزيد بمائتي مرة عن كمية الإنتاج العالمي من الطاقة في العام الواحد.
التنوع في
أشكال الحياة
قسم العلماء الكائنات الحية إلى خمسة ممالك
وهي البدائيات (Monera) والأوليات أو الطلائعيات (Protista) والفطريات (fungi) والنباتات (plantae) والحيوانات (Animalia). فالبدائيات هي كائنات حية تتكون من خلية واحدة (Unicellular) ولا يوجد غشاء حول
نواتها ولذا تسمى بدائية النواة(Prokrayotes) وتعتمد في غذاتها
على الكائنات الأخرى (heterotroph) ومن أهمها البكتيريا
والطحالب الخضراء المزرقة والفيروسات. أما الأوليات فهي كائنات حية تتكون في
الغالب من خلية واحدة (Unicellular) وقليل منها متعددة الخلايا (Multicellular) ويوجد غشاء حول نواتها ولذا تسمى حقيقية
النواة(Eukaryotes) وتقوم بتصنيع غذائها بنفسها من خلال التركيب الضوئي
(autotroph) ومن أهمها الطحالب الخضراء وحيدة
الخلية والبروتوزوا (protozoa). أما الفطريات فهي كائنات حية بخلية واحدة أو متعددة الخلايا وهي حقيقية النواة وتستمد غذائها من أجسام
الكائنات الأخرى الحية منها أو الميتة ومن
أهمها الفطر. أما النباتات فهي كائنات حية متعددة الخلايا وهي حقيقية النواة وتقوم بتصنيع غذائها بنفسها
من خلال التركيب الضوئي وتنقسم إلى قسمين رئيسيين وهما النباتات الوعائية (vascular) والنباتات اللاوعائية (nonvascular). أما الحيوانات فهي كائنات حية
متعددة الخلايا وهي حقيقية النواة وتعتمد
في غذائها على الكائنات الأخرى وهي قادرة على الحركة وتنقسم إلى قسمين رئيسيين
وهما الحيوانات الفقارية (vertebrates) كالثدييات
والأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والحيوانات اللافقارية (invertebrates) كالأسفنجيات والديدان والرخويات
والمفصليات وشوكيات الجلد.
لم يتمكن علماء الأحياء حتى
الآن من حصر عدد أنواع الكائنات الحية التي تعيش على سطح هذه الأرض وخاصة تلك التي
تعيش في أعماق المحيطات أو تلك التي لا ترى بالعين المجردة وتتراوح تقديرات
العلماء لعدد هذه الأنواع ما بين خمسة ملايين وخمسين مليون نوع وهم يصنفون ما
معدله عشرة آلاف نوع في كل عام . أما عدد أنواع الكائنات الحية التي تم تصنيفها من
قبل هؤلاء العلماء فيقرب من مليوني نوع تقريبا حيث يقدر عدد أنواع الحيوانات
الفقارية (vertebrate) بستين ألف نوع منها ستة آلاف من الثديات (Mammals) وستة
آلاف نوع من البرمائيات (Amphibians)
وثمانية آلاف من الزواحف (Reptiles)
وعشرة آلاف من الطيور (birds)
وثلاثين ألف من الأسماك (fishes).
أما الحيوانات اللافقارية (invertebrates) فيقدر عدد المصنف منها مليون
ومائتي ألف منها ما يقرب من مليون نوع من الحشرات (insects)
وثمانين ألف من الرخويات (Molluscs) وأربعين ألف من القشريات (Crustaceans) وغيرها. ويقدر العلماء عدد أنواع النباتات بثلاثمائة ألف
نوع والبكتيريا والطحالب بمائة ألف نوع
والفطريات بمائة ألف نوع.
الكائنات
المنتجة والمستهلكة والمحللة
لقد اكتشف علماء الأحياء أن الكائنات الحية من حيث طريقة غذائها
تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهي الكائنات المنتجة (producers) والكائنات المستهلكة (consumers) والكائنات المحللة (decomposers). فالكائنات المنتجة هي التي تقوم بتحويل المواد غير العضوية
كثاني أكسيد الكربون والماء والنيتروجين وبقية العناصر الأرضية إلى مواد عضوية من
خلال عملية التركيب الضوئي ويشمل هذا النوع جميع النباتات التي تعيش على اليابسة
ومعظم أنواع الطحالب البحرية. أما الكائنات المستهلكة فهي التي تعتمد في غذائها
على ما تنتجه النباتات والطحالب من مواد عضوية مختلفة ويشمل هذا النوع جميع أنواع حيوانات البر
والبحر. وأما الكائنات المحللة فهي التي تقوم بتحليل المواد العضوية الموجودة في
الكائنات الحية بعد موتها والفضلات التي تخرج منها وتحويلها إلى مواد غير عضوية
يعاد استهلاكها من قبل الكائنات المنتجة ويشمل هذا النوع مختلف أنواع البكتيريا
والفطريات والديدان. ومن الواضح أن
الكائنات المستهلكة والمحللة لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تعيش على الأرض بدون
وجود الكائنات المنتجة وذلك لعدم قدرتها على توفير الغذاء اللازم لها مباشرة من
تراب وهواء الأرض. وكذلك فإنه لا يمكن للكائنات المنتجة أن تستمر في العيش على سطح
الأرض بدون الكائنات المستهلكة والمحللة وذلك لأنها ستحول مع مرور الزمن جميع ثاني
أكسيد الكربون المتوفر في الطبيعة إلى مواد عضوية وسيكون مصيرها الموت في غياب
طعامها المفضل وهو ثاني أكسيد الكربون.
إن استمرار الحياة على سطح هذه الأرض يتطلب توازن تام بين
الكائنات المنتجة والمستهلكة والمحللة بحيث لا يطغى أيّ نوع من هذه الأنواع على الأنواع
الأخرى وإلا أدى هذا الطغيان إلى اختفاء
جميع أشكال الحياة على الأرض. فالكائنات المحللة كالبكتيريا والفطريات يمكنها
القضاء على الكائنات المنتجة والمستهلكة بسبب سرعة تكاثرها لولا وسائل الدفاع التي
زود الله بها الكائنات الحية ضد هذه الكائنات الدقيقة ولذلك فهي لا تتكاثر إلا على
بقايا الكائنات الميتة وهي الوظيفة التي خلقها الله من أجلها. وكذلك فإن الحيوانات
آكلة النباتات يمكنها إذا ما تكاثرت بمعدلات عالية أن تأكل كل ما على بر الأرض من
نباتات وبهذا فإنها ستقضي على هذه النباتات وبالتالي على نفسها لأنها لن تجد ما
تأكله وفي أسراب الجراد التي تغزو بعض المناطق فلا تترك عرقا أخضرا عليها أكبر
مثال على ذلك. وكذلك فإن الحيوانات آكلة اللحوم يمكنها إذا ما تزايدت أعدادها أن
تأكل جميع الحيوانات آكلة النباتات وسيكون مصيرها بالطبع الموت في غياب طعامها
الوحيد وهو لحوم هذه الحيوانات. ويجب أن
يتوفر التوازن أيضا بين جميع أنواع
الكائنات الحية وليس فقط بين الفئات الرئيسة الثلاث بحيث لا يتفرد كائن معين من
هذه الكائنات بالموارد الطبيعية على حساب الكائنات الأخرى مما يؤدي إلى انقراض
البقية. ولقد وجد العلماء أن مثل هذا التوازن المطلوب بين الكائنات الحية لا يمكن
أن يتم إن لم يتم تصميم هذا النظام البيئي
المعقد بشكل بالغ الدقة من قبل عليم خبير حيث أن خطأ بسيطا في تصميم هذا النظام قد
يؤدي إلى انهيار كامل النظام وبالتالي اختفاء الحياة على سطح الأرض.
السلاسل الغذائية
يعتبر أكل الكائنات الحية لبعضها البعض أهم العوامل
التي تحد من زيادة أعداد الكائنات الحية عن الحد المسموح به الذي قد يخرجها من
نطاق الاستقرار. ولذلك أبدع الله عز وجل نظام بديع للطرق التي تتغذى بها الكائنات
الحية على بعضه البعض وهو ما يسمى بالسلاسل الغذائية (food
chains). إن
الحيوانات التي تعتمد على ما تنتجه النباتات والطحالب من مواد عضوية لا تتغذى
جميعها على النباتات والطحالب بشكل مباشر بل يوجد عدة مستويات من نظم التغذية (trophic level) أو ما يسميه العلماء بسلاسل
الغذاء (food chains). فهناك الحيوانات التي تتغذى على النباتات مباشرة وتسمى المستهلكات
الابتدائية (primary consumers) وهي الحيوانات آكلة
النباتات (herbivores or plant-eaters) وهنالك الحيوانات التي تتغذى على المستهلكات
الابتدائية وتسمى المستهلكات الثانوية (secondary
consumers) وهي
الحيوانات آكلة اللحوم (carnivore
or meat-eaters) وهناك الحيوانات التي
تعتمد في غذائها على المستهلكات الثانوية وتسمى المستهلكات الثلاثية (tertiary
consumers) وهناك
الحيوانات التي تعتمد في غذائها على المستهلكات الثلاثية وتسمى المستهلكات الرباعية
(quaternary consumers). وتسمى
الحيوانات التي تتغذى على النباتات وجميع أنواع الحيوانات بأكلات كل شيء (omnivores) كالإنسان وبعض أنواع الطيور
بينما تسمى الحيوانات التي تتغذى على جيف أو رمم الحيوانات بأكلات الرمم (detrivores)
كالديدان وبعض أنواع الطيور. وأما الكائنات الحية التي تقوم بتحرير العناصر الطبيعية من أجسام الكائنات الحية
الميتة وإعادتها إلى هواء وماء وتراب الأرض فهي المحللات (decomposers) كالبكتيريا وبعض أنواع الفطريات.
وتتعدد سلاسل الغذاء
الموجودة في النظام الحيوي بتعدد البيئات وقد يوجد في نفس البيئة عدة سلاسل غذائية
وذلك حسب أنواع الكائنات المنتجة في تلك
البيئة وكذلك حجم المواد العضوية التي تنتجها فسلاسل الغذاء الموجودة في المحيطات
والبحار تختلف عن تلك الموجودة في المناطق البرية . إن الكائنات المنتجة في البحار
هي نوع من أنواع الطحالب تسمى العوالق النباتية (phytoplankton). والعوالق النباتية هي كائنات
حية وحيدة الخلية يصل عدد أنواعها إلى خمسمائة نوع أشهرها الدايأتوم(diatoms) والطحالب الخضراء (green
algae) والبكتيريا الخضراء
المزرقة (cynobacteria) ولا يمكن رؤية معظمها بالعين المجردة وهي منفردة. وتعيش هذه
العوالق فقط في طبقات الماء العليا ضمن المدى الذي يصل إليه ضوء الشمس وهو أقل من مائتي متر وذلك حسب صفاء الماء.
ويوجد في المتوسط ما يقرب من مليون من هذه العوالق في اللتر الواحد من مياه
المحيطات والبحار السطحية وعليها تقوم حياة جميع الكائنات البحرية حيث تقوم بتصنيع
سكر الجلوكوز من ثاني أكسيد الكربون المذاب في الماء. وبسبب صغر حجم العوالق
النباتية فإنه لا يمكن أكلها من قبل الأسماك ولذلك سخر الله عز وجل كائنات أكبر
حجما تتغذي عليها وهي المستهلكات الأولية في سلسلة الغذاء البحرية وتسمى العوالق
الحيوانية (zooplankton).
وهذه العوالق
الحيوانية هي الغذاء لكائنات أكبر حجما منها كالأسماك الصغيرة التي تصبح طعاما
لأسماك أكبر منها حجما في سلسلة غذاء بالغة التعقيد كما يظهر في الصور التالية.
أما
سلاسل الغذاء في البر فهي أكثر تنوعا وأكثر تعقيدا بسبب التفاوت الكبير بين بيئات البر فهنالك سلاسل غذائية للمناطق الإستوائية
والقطبية والمدارية والصحراوية والجبلية
والسهلية وغيرها. وفي كل سلسلة من هذه
السلاسل نباتات وحيوانات خاصة بها يمكنها تحمل الظروف المناخية لتلك المناطق.
والكائنات المنتجة في سلاسل البر هي النباتات بمختلف أنواعها كالأعشاب والأشجار والتي قد يصل عدد أنواعها إلى عشرات الآلاف.
وعلى عكس الكائنات المنتجة في البحر ذات
الخلية الواحدة فإن النباتات أكثر تعقيدا في تركيبها فهي كائنات متعددة الخلايا
كبيرة الحجم وتمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء من خلال أوراقها والماء وبقية
العناصر من التراب من خلال جذورها. وبسبب كبر حجم النباتات وتعدد ما تنتجه من مواد
عضوية فإنه يمكن أكلها من قبل أنواع كثيرة من الكائنات المستهلكة وهي الحيوانات
البرية. وتعتبر الحشرات من أكثر
المستهلكات الابتدائية للنباتات وهي طعام لكثير من المستهلكات الأخرى ولذلك
فإن أنواعها وأعدادها تفوق أنواع وأعداد الكائنات الأخرى.
الموت والأمراض
والكوارث الطبيعية
إن
معدل تكاثر معظم أنواع الكائنات يزداد
بشكل مضطرد أو أسي إذا ما توفرت مصادر عيشها وغياب مفترسيها. ولذلك قدر الله عز
وجل أن حدد فترة قصوى يمكن لأي فرد من أفراد النوع الواحد أن يحياها على الأرض
تتراوح بين عدة ساعات وما يزيد عن مائة سنة في الحيوانات وعدة آلاف من السنين في
النباتات. ومن معجزات تقدير أعمار الكائنات أن عمر الكائن يتناسب عكسيا مع معدل تكاثره فهي أفصر في
الميكروبات سريعة التكاثر وأطول في الثديات بطيئة التكاثر. وقدر الله عز وجل كذلك تقصير معدل عمر الكائنات
بإصابتها بالأمراض المختلفة من خلال وجود كائنات حية دقيقة لا ترى بالعين المجردة
وهي الميكروبات حيث تقوم بعض أنواع البكتيريا والفيروسات بالتطفل على أجسام
الكائنات الحية وتدمير خلاياها ومن ثم موتها إذا ما فشلت أنظمة المناعة فيها من
الدفاع عنها. ولقد اكتشف العلماء أن معدل
موت الكائنات الحية بسبب الأمراض يزداد مع زيادة أعدادها وذلك بسبب سرعة انتشار
الميكروبات بين أفراد هذه الكائنات عند اكنظاظها في أماكن تواجدها وكذلك تلوث
بيئتها بسبب تراكم مخلفاتها التي تشكل بيئة خصبة للميكروبات. وتلعب الكوارث الطبيعية كالبراكين والفياضانات
والنيران وموجات الحر والبرد والجفاف دورا
مهما في الحد من تزايد أعداد الكائنات الحية.
الدفاع عن النفس والتوزع الجغرافي
إلى
جانب العوامل التي تحد من تزايد أعداد الكائنات الحية هناك عوامل تعمل على حفظ
الكائنات الحية من الانقراض أهمها وسائل الدفاع عن النفس وتوزع أفراد النوع الواحد في أماكن متباعدة على
سطح الأرض. ولقد قدر
الله عز وجل أن يجعل لكل
نوع من أنواع الكائنات الحية وسيلة أو أكثر
للدفاع عن نفسها ضد مفترسيها كقدرتها على الهرب والتخفي والتلون والتمويه وغيرها.
ومن عجائب وسائل الدفاع عن النفس أن بعض الكائنات الحية لها القدرة للدفاع عن نفسها
ضد كثير من المفترسين ولكنها تستسلم لكائنات معينة رغم ضعف هذه المفترسات. أما
التوزع الجغرافي فيعمل على عدم تعرض الأنواع من الانقراض وذلك بسبب غياب المفترسات في بعض البيئات التي لا تناسب عيشها
وبهذا تكون هذه البؤر المحمية طبيعيا ملاذا آمنا لهذه الكائنات ومصدر لبث هذه الكائنات لمناطق آخرى.
اختلال التوازن البيئي
أن
الفساد الذي ظهر في بر وبحر وجو الأرض في هذا العصر لم تعهده الأرض منذ أن خلقها
الله قبل ما يزيد عن أربعة بلايين عام وقد يكون هذا الفساد هو المقصود بقوله تعالى
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي
عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)) الروم. فعلى الرغم
من ظهور كثير من الحضارات الإنسانية قبل
نزول القرآن الكريم وعمروا الأرض وسخروا
بعض مواردها لما فيه رفاهيتهم إلا أنهم لم يحدثوا أي فساد في الطبيعة أو البيئة بل
بقي النظام البيئي يعمل بنفس الاتزان الذي خلقه الله عليه منذ مئات الملايين من
السنين. إن الحياة على الأرض عملت ولا زالت تعمل بانتظام تام منذ أن خلقها الله
سبحانه وتعالى قبل مئات الملايين من السنين وبقيت معدلات أعداد الكائنات الحية
نباتاتها وحيواناتها بنفس النسب ولم تنفد موارد الأرض المختلفة رغم الاستهلاك
المتكرر لها من قبل هذه الكائنات. وباستثناء كائن واحد فقط وهو الإنسان فإن بقية
الكائنات الحية لا يمكنها أبدا إفساد هذه الاتزان العجيب حيث أن الله سبحانه وتعالى قد فطرها على أداء
أدوار محددة في هذا النظام البيئي لا يمكنها أن تحيد عنه.
إن
الفساد الذي أصاب الأرض في هذا العصر يتمثل في ضخ كميات كبيرة من مختلف أنواع
المركبات الكيميائية إلى البر والجو والبحر
والتي تعمل على تلويث النظام الحيوي والبيئي والإخلال بعمل مكوناته على
الوجه المطلوب. إن أكبر
ملوثات الجو هو غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق هذه الكميات الهائلة من مختلف أنواع الوقود الأحفوري التي تستهلكها محطات توليد الكهرباء
ووسائط النقل المختلفة من طائرات وقطارات ومركبات والآلات الزراعية
والمنشآت الصناعية. ولم يكتفي البشر بزيادة مخزون
ثاني الكربون من خلال حرق مختلف أنواع الوقود بهذه الكميات الضخمة بل تسلطوا على
الغابات وخاصة الاستوائية منها وقاموا بقطع مساحات واسعة جدا من أشجارها التي كانت
تمتص جزءا كبيرا من ثاني أكسيد الكربون مما زاد أيضا من مخزونه في الجو. إن ضخ ما
يقرب من ثلاثين بليون طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الجو سنويا بالإضافة إلى تقليل
ما يمتص منه بسبب تقلص المساحات الخضراء
سيزيد من كميته في الجو ولا بد أن يترتب على ذلك آثار بيئية سيئة حيث أن
دورة الكربون لا بد وأن تختل. إن أهم هذه الآثار السيئة هي ما يسمى بظاهرة
الاحتباس الحراري حيث أن ثاني أكسيد الكربون بهذه النسبة المقدرة تقديرا بالغا من
قبل خالق هذا الكون سبحانه وتعالى يلعب دورا بالغا على ثبات معدل درجة حرارة الأرض
البالغ خمسة عشر درجة مئوية. وفي حالة زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون عن الحد الذي
قدره الله فإنه سيعكس كمية أكبر من الحرارة التي تنبعث من سطح الأرض مما يزيد من
معدل درجة حرارة سطح الأرض عن المعدل الطبيعي.
إن أخطر أنواع
الفساد في النظام البيئي فهو زيادة أنواع الكائنات الحية المعرضة للانقراض بسبب
السطو الجائر على كثير من الكائنات الحية أو السطو على أماكن سكناها أو تلويثها
بمختلف أنواع المواد الكيميائية أو الإشعاعية. ولقد تبين للعلماء أن معدل عدد الكائنات
المنقرضة بدأ يزداد بشكل متسارع ابتداءا من منتصف القرن العشرين واكتشفوا وجود
ترابط وثيق بين هذا المعدل ومعدل زيادة عدد البشر. فتقديرات العلماء لعدد الكائنات
المنقرضة في كل عام قبل بداسة القرن العشرين كان عشرة أنواع في كل عام بينما
تراوحت التقديرات بين عشرة آلاف وثلاثين ألف نوع في كل عام في الوقت الحالي ويعود
هذا التفاوت لصعوبة تحديد عدد الحيوانات المنقرضة بشكل دقيق. ويتخوف بعض العلماء من أن نصف أنواع الكائنات
الحية قد ينقرض مع نهاية القرن الواحد والعشرين وربما قبل ذلك. إن مثل هذه المعدلات العالية والمتزايدة
لانقراض الكائنات الحية ستتسبب في قطع كثير من السلاسل الغذائية في النظام الحيوي
وسيؤدي هذا إلى تسارع أكثر في هذه المعدلات وبالتالي إنهيار كامل النظام وموت جميع
أنواع الكائنات الحية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق