النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأمته في سفر
إشعياء
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة
العلوم والتكنولوجيا الأردنية
إن من
معجزات القرآن الكريم أنه أكد على وجود نصوص في التوراة والإنجيل تتنبأ برسالة
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك أمته المسلمة. وأكدت الآيات القرآنية كذلك
على أن هذه النصوص من الوضوح بحيث أن علماء أهل الكتاب يعرفون تمام المعرفة مكان
وزمان ظهور هذا النبي. ومن هذه الآيات
قوله تعالى "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي
أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)" الأعراف. وقوله تعالى "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا
يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)" البقرة
وقوله تعالى " أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي
إِسْرَائِيلَ (197)" الشعراء وقوله تعالى " وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ
عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)" البقرة .
ولقد كان اليهود في المدينة المنورة يحدثون العرب باقتراب مبعث نبي فيها وأنهم سيتبعونه ويقاتلوا معه مشركي العرب
فقد ذكر الطبري في تفسيره بعض الروايات عن هذا الأمر فقال: حدثني ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق ، عن [ ص: 333 ] عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ،
عن أشياخ منهم قالوا : فينا والله وفيهم - يعني في الأنصار ، وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم - نزلت هذه القصة يعني : ( ولما
جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) قالوا : كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية - ونحن
أهل الشرك ، وهم أهل الكتاب - فكانوا يقولون : إن نبيا الآن مبعثه قد أظل زمانه ،
يقتلكم قتل عاد وإرم ، فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه ، كفروا
به . يقول الله : ( فلما
جاءهم ما عرفوا كفروا به. وقال حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، أوعكرمة
مولى ابن عباس ، عن ابن عباس :
أن يهود كانوا
يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب ،
كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن
البراء بن معرور أخو بني سلمة :
يا معشر يهود ،
اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك ، وتخبروننا أنه
مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته! فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير :
ما جاءنا بشيء
نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم! فأنزل الله - جل ثناؤه - في ذلك من قوله
: ( ما
يؤمنون ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على
الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين .
ولقد وجد
الباحثون في هذا الموضوع نصوص كثيرة في أسفار التوراة والإنجيل تؤكد على معرفة
علماء اليهود والنصارى بظهور رسالة سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم . وسأقتصر في هذه المقالة على عرض النصوص الموجودة في سفر
إشعياء والتعليق عليها مع التأكيد على أن هذه النصوص قد تم الإشارة إليها في
مقالات مختلفة لباحثين آخرين. والنبي إشعياء هو أحد أنبياء بني إسرائيل الذي ظهر
في نهاية القرن السابع قبل الميلاد وقد كتب سفره المسمى بإسمه وهو أحد أسفار
التوراة المعترف بها من قبل اليهود والنصارى. ومن الجدير بالذكر
أن النبي إشعياء قد عاصر مملكة قيدار
العربية التي ظهرت في منتصف القرن السابع قبل الميلاد واستمرت لبداية القرن
الرابع قبل الميلاد وكانت عاصمتها دومة الجندل التي تقع في شمال المملكة العربية
السعودية. وقيدار هو الأبن الثاني لإسماعيل
عليه السلام وهو جد لبعض القبائل العربية وعلى رأسها قريش أما الأبن الأول لإسماعيل
عليه السلام فهو نبايوت وهو جد الأتباط وأما بقية أبناء إسماعيل عليه
السلام فقد جاء ذكرهم في سفر التكوين
الأصحَاحُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ (12وَهذِهِ مَوَالِيدُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،
الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ الْمِصْرِيَّةُ جَارِيَةُ سَارَةَ لإِبْرَاهِيمَ. 13وَهذِهِ
أَسْمَاءُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ بِأَسْمَائِهِمْ حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ: نَبَايُوتُ
بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ، وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ 14وَمِشْمَاعُ
وَدُومَةُ وَمَسَّا 15وَحَدَارُ وَتَيْمَا وَيَطُورُ وَنَافِيشُ
وَقِدْمَةُ. 16هؤُلاَءِ هُمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ، وَهذِهِ
أَسْمَاؤُهُمْ بِدِيَارِهِمْ وَحُصُونِهِمْ. اثْنَا عَشَرَ رَئِيسًا حَسَبَ
قَبَائِلِهِمْ. 17وَهذِهِ سِنُو حَيَاةِ إِسْمَاعِيلَ: مِئَةٌ وَسَبْعٌ
وَثَلاَثُونَ سَنَةً، وَأَسْلَمَ رُوحَهُ وَمَاتَ وَانْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ. 18وَسَكَنُوا
مِنْ حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الَّتِي أَمَامَ مِصْرَ حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ
أَشُّورَ. أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ نَزَلَ.). ومن الواضح أن بعض مدن
جزيرة العرب قد سميت بأسماء أبناء إسماعيل عليه السلام كتيماء ودومة الجندل.
جاء في سفر إِشَعْيَاءَ الأصحَاحُ
التَّاسِعُ النص التالي: (1وَلكِنْ لاَ يَكُونُ ظَلاَمٌ لِلَّتِي عَلَيْهَا ضِيقٌ. كَمَا
أَهَانَ الزَّمَانُ الأَوَلُ أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي، يُكْرِمُ
الأَخِيرُ طَرِيقَ الْبَحْرِ، عَبْرَ الأُرْدُنِّ، جَلِيلَ الأُمَمِ. 2اَلشَّعْبُ
السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ
ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ. 3أَكْثَرْتَ الأُمَّةَ.
عَظَّمْتَ لَهَا الْفَرَحَ. يَفْرَحُونَ أَمَامَكَ كَالْفَرَحِ فِي الْحَصَادِ.
كَالَّذِينَ يَبْتَهِجُونَ عِنْدَمَا يَقْتَسِمُونَ غَنِيمَةً.). فهذا النصف يحدد مكان الأمة التي أشرق عليها النور
الإلهي العظيم فهي تقع ما بعد نهر
الأردن في الصحراء العربية التي أطلق عليها النص اسم أرض ظلال
الموت ويحدد حال هذه الأمة وهو العيش في الظلمة كناية عن أنه لا شريعة لهم فلم
يرسل للعرب نبي بعد إسماعيل عليه السلام إلا محمد صلى الله عليه وسلم أي انقطاع
دام ما يزيد عن ألفين وخمسمائة عام. ولقد جاء وصف حال أمة العرب في القرآن الكريم
"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ
رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)"
الجمعة وقوله تعالى "فَآمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
(8)" التغابن وقوله تعالى "يَا
أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)" النساء.
أما النص الثاني فقد
جاء في سفر إِشَعْيَاءَ
الأصحَاحُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ (13وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ فِي
بِلاَدِ الْعَرَبِ تَبِيتِينَ، يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ. 14هَاتُوا
مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ، يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا
الْهَارِبَ بِخُبْزِهِ. 15فَإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ السُّيُوفِ قَدْ
هَرَبُوا. مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ، وَمِنْ أَمَامِ الْقَوْسِ
الْمَشْدُودَةِ، وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ الْحَرْبِ. 16فَإِنَّهُ هكَذَا
قَالَ لِيَ السَّيِّدُ: «فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ
مَجْدِ قِيدَارَ، 17وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي
قِيدَارَ تَقِلُّ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ»). وهذا النص يتنبأ بحدث كبير سيحصل في بلاد العرب
وهو أن هارب من ظلم قومه مع مجموعة من أصحابه يتمكن في فترة قصيرة من إفناء مجد
قيدار في جزيرة العرب. وهو يتحدث بكل وضوح
عن مبعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهجرته من مكة إلى يثرب فقد حدد النص أن الذين يطاردون هذا الهارب هم
من قيدار ومن المعروف أن قريش هي أهم
قبائل قيدار وكانت تسكن في مكة المكرمة. وحدد النص الوجهة التي هاجر إليها هذا
الهارب ومن معه وهي بلاد تيماء والتي من ضمنها يثرب فمن المعروف أن تيماء كانت
أشهر من يثرب في تلك العصور فكان التعريف بها لشهرتها. ويشير النص إلى أن أهل بلاد
تيماء سيستقبلون وينصرون هذا الهارب من
خلال إشارة النص إلى تقديم الماء والطعام له ولأصحابه. ويشير النص إلى أن هذا
الهارب سينهي مجد قيدار أي قريش في سنوات قليلة فبعد سنة واحدة من هجرته صلى الله
عليه وسلم هزم جيش قريش في معركة بدر فكانت البداية لنهاية مجدهم ولذلك سمى القرآن
الكريم هذه المعركة بيوم الفرقان فقال عز من قائل "وَاعْلَمُوا
أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ
آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)"
الأنفال.
أما النص الثالث فهو
معظم الأصحَاحُ الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ من سفر
إِشَعْيَاءَ (1«هُوَذَا عَبْدِي
الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي
عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ
وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ
يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ
الْحَقَّ. 4لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي
الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ».5هكَذَا يَقُولُ
اللهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الأَرْضِ
وَنَتَائِجِِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا
رُوحًا: 6«أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ
بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، 7لِتَفْتَحَ
عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ
السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. 8«أَنَا الرَّبُّ هذَا
اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ. 9هُوَذَا
الأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَالْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ
تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا». 10غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً
جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا الْمُنْحَدِرُونَ فِي
الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، 11لِتَرْفَعِ
الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ.
لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. 12لِيُعْطُوا
الرَّبَّ مَجْدًا وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي الْجَزَائِرِ. 13الرَّبُّ
كَالْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ
وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ.)
إن
الآيات الأولى من النص تتحدث عن مواصفات نبي يختاره الله عز وجل ليظهر الدين الحق
لجميع الأمم. وتذكر الآيات أن هذا التبي لن يموت حتى يضع الحق في الأرض من خلال
إقامة دولة تقوم بحماية ونشر هذا الدين الحق. وتشير إلى أن شريعة هذا النبي ستصل إلى
مناطق شاسعة في الأرض بما فيها جزائر البحر. وتتحدث الآيات عن الأخلاق العالية التي يتمتع
بها هذا النبي وحبه ودعوته للسلام والأمان. ولقد جاءت الآيات القرآنية فأكدت هذه الحقائق
التي ذكرها النص فإظهار الدين الحق لجميع الأمم جاء في قوله تعالى "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ
الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (158)" الأعراف. أما تمكين الله عز وجل لدين هذا النبي فقد جاء
في قوله تعالى "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)" التوبة.
وتذكر الآيات التي تليها عن أن
هذا النبي سيكون نورا للأمم وسيخرج الناس الذين كانوا يعيشون في أسر الجهالة
والضلالة إلى نور الإيمان (أَنَا الرَّبَّ قَدْ
دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا
لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، 7لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ،
لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ
فِي الظُّلْمَةِ). ولقد جاء تأكيد
هذا في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى
اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)" الأحزاب وقوله
تعالى "الـر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى
صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)" إبراهيم.
أما الأيات الأخيرة من هذا النص
فتشير بكل وضوح إلى الأمة التي سيظهر فيها هذا النبي (10غَنُّوا لِلرَّبِّ
أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا
الْمُنْحَدِرُونَ فِي الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، 11لِتَرْفَعِ
الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ.
لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. 12لِيُعْطُوا
الرَّبَّ مَجْدًا وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي الْجَزَائِرِ. 13الرَّبُّ
كَالْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ
وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ). فالأغنية والتسبيحة الجديدتين
إلى دين جديد سيعم الأرض كلها وسيظهر في
الديار التي سكنها قيدار وهي جزيرة العرب وسيتغنى سكان سالع وهو جبل في المدينة المنورة وبقية مدن الصحراء العربية بالقرآن الكريم وسترتفع
أصواتهم بالتكبير والتهليل والآذان للصلاة من فوق رؤوس الجبال. وسيقوم هؤلاء العرب
بنشر هذا الدين في أرجاء الأرض بما فيها جزائر البحر سواء بالدعوة أو بالحرب والتي وعدهم الله عز
وجل بنصرهم فيها إذا ما كانت غايتهم نشر هذا الدين. وهذا ما أكدته الوقائع ففي مدة لا تتجاوز
العشرين عاما من هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تمكن المسلمون من هزم أكبر
أمبرطوريتين في العالم آنذاك وهما الفرس
والروم وفي أقل من أربعين عاما وصل الدين الجديد إلى حدود الصين شرقا وأقصى شمال أفريقيا غربا
وإلى حدود أوروبا شمالا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق