2016-01-24

الساعات الذرية


الساعات الذرية

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
قد لا يعرف كثير من الناس الدور الكبير الذي تلعبه أنظمة التوقيت الحديثة في كثير من التطبيقات بل إن بعض التطبيقات ما كان لها أن تظهر  قبل ظهور ساعات الكوارتز الإلكترونية والساعات الذرية. ففي أنظمة تحديد الموقع العالمي  لا يمكن تحديد إحداثيات المواقع بدقة كافية بدون هذه الساعات. وفي شبكات الألياف الضوئية أصبح بالإمكان بفضل الساعات الذرية إرسال إشارات رقمية بمعدلات قد تصل إلى مائة بليون بت في الثانية. وفي أنظمة البث الإذاعي والتلفزيوني والبث من الأقمار الصناعية استخدمت ساعات الكوارتز والساعات الذرية لضبط الترددات المستخدمة في هذه الأنظمة بشكل بالغ الدقة مما يجنبها مشاكل التداخل بين إشاراتها. وفي مجال الفضاء أصبحت عمليات إطلاق الصواريخ  وكذلك تحديد مدارات الأقمار الصناعية ومسارات المركبات الفضائية المرسلة للفضاء الخارجي أكثر دقة.  وفي مجال تصحيح النظر  يلزم وجود ساعات بالغة الدقة لتحديد فترات زمنية محددة بشكل دقيق لتعريض بعض أجزاء العين الحساسة لأشعة الليزر.   وفي مجال البحث العلمي أصبح بالإمكان قياس فترات زمنية لا تتجاوز جزء من مليون بليون جزء من الثانية مما ساعد في رصد وإكتشاف أحداث بالغة القصر  في التفاعلات الكيميائية والفيزيائية .
التوقيت الشمسي

                تعتبر الشمس المرجع الأساس لمعظم أنظمة التوقيت أو قياس الزمن على سطح الأرض حيث تعارف البشر على أن طول اليوم الأرضي هو أربعة وعشرون ساعة وهي فترة زمنية تقاس بين طلوعين أو  زواليين متتاليين للشمس في أي مكان على سطح الأرض باستثتاء القطبين ولذلك سمي  التوقيت الشمسي الظاهري (Apparent solar time). ولقد استفاد البشر على مدى تاريخهم من الدورة اليومية والسنوية للشمس وكذلك الدورة الشهرية للقمر في تحديد الساعات والأيام والأشهر والسنين. ولقد حث القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا البشر على الاهتمام بالوقت والتوقيت وذلك في قوله تعالى "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)" يونس وقوله تعالى "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)" الإسراء.  إن طول اليوم ليس ثابتا بل يتغير  من يوم إلى يوم على مدار  العام وذلك لسببين أولهما  أن مدار الأرض حول الشمس هو مدار  بيضوي (elliptic orbit)  وليس دائري وثانيهما أن ميلان محور الأرض (Earth’s axial tilt) يتغير  من يوم إلى يوم. ويبلغ أقصى إنحراف لطول اليوم عن طول اليوم الشمسي المتوسط  (mean solar day) البالغ 24 ساعة ثلاثين ثانية عند الزيادة وعشرين ثانية عند النقصان,  ويتغير طول اليوم كذلك من سنة إلى سنة حيث وجد العلماء أن سرعة دوران الأرض حول محورها تقل مع مرور السنين وذلك بسبب نأثير  جاذبية القمر  وما يسببه من ظاهرة المد والجزر في مياه الأرض وكذلك المواد السائلة المنصهرة في باطن الأرض. إن النقصان في سرعة دوران الأرض يؤدي إلى زيادة طول اليوم  بمقدار  إثنتين مللي ثانية في كل مائة عام.

الساعات الشمسية

                استخدم البشر منذ ظهورهم الشمس لتحديد الأوقات في النهار  فالناظر إلى الشمس على صفحة السماء يمكنه بشكل تقريبي تحديد ساعات النهار  وذلك حسب ارتفاعها عن الأفق. فالشمس ترتفع بزاوية مقدارها  15 درجة  في كل ساعة في حالة تساوي الليل والنهار  وذلك عند خط الاستواء  وتزيد وتنقص عن ذلك عند اختلافهما في الطول عند بقية خطوط العرض. ولقد استخدم البشر  ظلال الأشياء  لقياس الوقت وذلك بسبب ارتباط طول الظل وكذلك اتجاهه مع موقع الشمس في السماء مصداقا لقوله تعالى "أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)" الفرقان.  ولقد كانت الأقراص الشمسية أو المزاول (sundials) أول أنواع الساعات التي استخدمها البشر لقياس الزمن منذ أربعة آلاف سنة. تتكون المزولة من قضيب يتم نصبه بشكل قائم أو بشكل مائل على سطح أفقي مستو من الحجر أو المعدن ويتم تدريج السطح بساعات اليوم على محيط  دائرة حيث يشير  ظل القضيب إلى الوقت في تلك اللحظة.
 
الساعات المائية

تم استخدام الساعات المائية منذ أربعة آلاف سنة لقياس الوقت على مدار اليوم وبدقة عالية وذلك على عكس الساعات الشمسية التي تقيس الوقت  في نهار  الأيام المشمسة فقط. وتتكون الساعة المائية من خزان ماء يتم تغذيته من مصدر مائي مستمر يضمن مستوى ثابت للماء فيه ويصب هذا الخزان الماء بمعدل ثابت في خزان آخر  يوجد فيه جسم طافئ مثبت عليه بشكل عمودي قضيب على رأسه مؤشر. وعند ارتفاع الماء في الخزان الثاني فإنه يدفع بالقضيب والمؤشر المثبت عليه إلى الأعلى ليمر على لوح مدرج بالساعات والدقائق. وعندما يمتلئ الخزان السفلي بالماء يتم تفريغه بالكامل في وقت قصير  ليبدأ الدورة من جديد. ويمكن الاستفادة من الماء المتدفق من المصدر لإضافة ميزات أخرى للساعة المائية كالحركة الدائرية لعقارب الساعة وتحديد الأيام والأشهر وكذلك توليد أصوات للتنبيه.  
الساعات الرملية

تتكون الساعة الرملية من وعائين من الزجاج متصلين بفتحة ضيقة وعند ملء أحد الوعائين بالرمل الناعم ومن ثم قلبه فإن الرمل يبدأ بالنزول  إلى الوعاء السفلي الفارغ بمعدل ثابت إلى حد ما. وعند إمتلاء الوعاء السفلي يتم قلب الجهاز  لإعادة  العملية من جديد وتحدد كمية الرمل ومعدل تدفقة مقدار الزمن في كل دورة. وتستخدم  هذه الساعات كمؤقت لطول حدث ما وليس كمقياس للوقت بشكل مستمر.
الساعات الميكانيكية

 تعتمد الساعات الميكانيكية في طريقة عملها على وجود جسم ميكانيكي يهتز بتذبذب أو تردد ثابت يعمل كمرجع لتحديد الوقت (timekeeping). ومن أهم الأجسام الميكانيكية  المهتزة البندول (Pendulum) والذي يتكون من جسم ذي ثقل معلق بخيط رفيع على نقطة ارتكاز  أو تعليق متدنية الاحتكاك. وعند سحب الثقل عن وضع الاستقرار  ومن ثم تركه فإنه يبدأ بالتأرجح أو الاهتزار حول نقطة الارتكاز  بتردد ثابت حيث تتناسب مدة الدورة طرديا مع الجذر التربيعي لطول البندول ولا تعتمد على وزن الثقل إذا أهملنا احتكاك الجسم بالهواء وكانت زاوية التأرجح أقل من خمسة درجات. وقد وجد من معادلة البندول أن مدة الدورة تساوي ثانية واحدة إذا كان طول البندول يساوي مترا واحدا  تقريبا (99،4 سم) وثانيتان إذا كان طوله أربعة أمتار  تقريبا كما هو الحال مع البندول المستخدم في ساعة بيق بن (Big Ben).  
وتتكون ساعات البندول  (pendulum clock) التي تم اختراعها في منتصف القرن السابع عشر  من بندول كمرجع لتحديد الوقت ومن مصدر حركة أو قوة (power source) يعمل على استمرار حركة البندول وتحريك عقارب الساعة ومن آلية إفلات (escapement mechansim) تعمل على نقل الحركة من مصدر الطاقة إلى البندول دون التأثير على معدل إهتزازه ومن مجموعة من التروس التي تعطي سرعات دوران مختلفة لعقارب الثواني والدقائق والساعات. وتشمل مصادر الحركة الأثقال المعلقة بحبال وملفوفة حول البكرات (pulleys) أو  الزمبرك اللولبي (spiral springs). إن أكبر عيوب ساعات البندول أنها غير محمولة حيث أن الحركة تأثر على معدل إهتزاز البندول وبالتالي دقة الساعة ولذا تم استخدامها في البيوت والمكاتب والمصانع ومحطات النقل وغيرها.
أما النوع الآخر  من الساعات الميكانيكية فهي التي تستخدم عجلة التوازن (balance wheel) كمرجع لتحديد الوقت (timekeeping). وتتكون عجلة التوازن من عجلة حلقية (ring wheel) مثبت على محور دورانها الطرف الداخلي لزمبرك لولبي شعري دقيق (spiral hair spring) بينما يثبت الطرف الخارجي للزمبرك بجسم ثابت ويسمى هذا الزمبرك بزمبرك التوازن (balance spring). وعند لف الزمبرك ومن ثم إطلاقه تبدأ العجلة بالتأرجح حول محورها بتردد ثابت يتناسب مع الجذر التربيعي لحاصل قسمة عزم القصور (moment of inertia) للعجلة على ثابت أو شدة الزمبرك (spring constant or stiffness). وتتكون ساعة عجلة التوازن من زمبرك لولبي رئيسي (main spring) يقوم كمحرك يحافظ على اهتزاز عجلة التوازن من خلال تظام الإفلات وكذلك تحريك عقارب الساعة من خلال مجموعة من التروس المسننة.  ظهر أول أنواع ساعات عجلة التوازن في بداية القرن السادس عشر  وكانت غير دقيقة بسبب غياب زمبرك التوازن ومع إضافته إلى عجلة التوازن في نهاية القرن السابع عشر  أصبحت هذه الساعات عالية الدقة. وكانت هذه الساعات في بداية عهدها تعبأ يدويا من خلال لف الزمبرك الرئيسي المرخي ومن ثم أصبحت تعبأ تلقائيا من خلال حركة اليد التي تحمل الساعة. 
الساعات الكهروميكانيكية والكهربائية

مع إكتشاف الكهرباء في بداية القرن التاسع عشر  بدأ المخترعون يتسابقون في الاستفادة منها في تحسين مواصفات الساعات. ففي بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت الساعات الكهروميكانيكية حيث استخدمت الكهرباء لإعادة لف الزمبرك الرئيسي تلقائيا بدلا من الطريقة اليدوية  في الساعات الميكانيكية باستخدام المغناطيسات الكهربائية (electromagnets) والمحركات الكهربائية (electric motors ). ومن ثم  تم استخدام المغناطيسات الكهربائية بدلا من الزمبركات والأثقال كمحرك للساعات الميكانيكية من خلال إعطاء نبضات تديم حركة البندول أو عجلة التوازن.

أما الساعات الكهربائية فقد ظهرت في بداية القرن العشرين بعد إنتشار شبكات التيار الكهربائي المتردد والتي تعمل بتردد ستين ذبذبة في الثانية في النظام الأمريكي وخمسين ذبذبة في الثانية في النظام الأوروبي. ولقد تم استخدام المحرك المتزامن (synchronous motor) في هذه الساعات كمنظم للوفت وكمحرك لعقارب الساعة إذا ما تم تغذيته من الشبكة الكهربائية العامة ذات التردد الثابت والذي يستخدم كمرجع زمني دقيق. وتستخدم التروس في الساعات الكهربائية لتحريك عقارب الساعة المختلفة ويكمن عيبها الرئيسي في توقفها عند انقطاع الكهرباء وتحتاج لإعادة ظبطها.
الساعات الإلكترونية

تستخدم الساعات الإلكترونية المذبذبات الإلكترونية (electronic oscillators) كمرجع زمني لظبط وقتها من خلال توليد إشارة كهربائية جيبية (sinusoidal) أو نبضية (pulse) بتردد ثابت تحكمه عناصر  دائرة المذبذب الإلكترونية. ويمكن استخدام دوائر الرنين الكهربائية التقليدية (conventional electric resonant circuits) المكونة من المكثفات (capacitors) والمحاثات (inductors) لتوليد التردد المطلوب إلا أنه غير دقيق بسبب تغير قيم هذه العناصر مع تغير درجة الحرارة ومع التقادم ولذلك لم يتم استخدامها كثيرا في الساعات التجارية. ومع إختراع المذبذبات البلورية (crystal oscillators) في منتصف القرن العشرين التي يمكنها توليد ترددات عالية الدقة بدأت الساعات الإلكترونية بالإنتشار لتحل محل الساعات الميكانيكية والكهربائية. وتعتمد المذبذبات البلورية في عملها على استخدام البلورات الكهروضغطية (piezoelectric crystals) كدائرة رنين عالية الجودة بدلا من دوائر  الرنين الكهربائية التقليدية. لقد تم إكتشاف الظاهرة الكهروضغطية (piezoelectric effect) من قبل الزوجان كوري (Jacques and Pierre Curie) في عام 1880م حيث وجدا أن بعض أنواع البلورات كالكوارتز (quartz) تولد جهدا على أسطحها عند ضغطها والعكس صحيح فهي تهتز ميكانيكيا بتردد ثابت عند تسليط جهد كهربائي عليها. ويتحدد مقدار تردد البلورة من شكلها وسمكها وطريقة قطعها حيث تنتج الشركات الصانعة بلورات بمختلف الترددات المطلوبة وبترددات قد تصل مائتي مليون هيرتز.
تستخدم غالبية الساعات الإلكترونية بلورات الكوارتز  في مذبذباتها بسبب الدقة العالية جدا للترددات التي تولدها حيث أن الخطأ في هذه الساعات لا يتجاوز 15 ثانية في الشهر. ويبلغ مقدار التردد المستخدم  في مذبذبات الكوارتز  32768 هيرتز (32,768 Hz) وهذا الرقم يعطي عند تقسيمه نبضة واحدة في كل ثانية وذلك باستخدام مقسم ترددات رقمي (digital frequency divider or counter)مكون من خمسة عشر خانة. ويمكن استخدام الإشارة المتولدة من المذبذب لإدارة محرك خطوي صغير الحجم (stepping motor) ليحرك عقرب الثواني واستخدام التروس لتحريك عقارب الدقائق والساعات في الساعات التناظرية (analog clocks) أي ساعات العقارب. أما ساعات الكوارتز الرقمية فتمر إشارة المذبذب على دوائر إلكترونية لمعالجتها وإظهارها بشكل رقمي على شاشات إلكترونية (electronic displays) أي أنها لا تحتوي على أجزاء متحركة وهذه إحدى ميزاتها. لقد تم تصنيع أو ساعة كوارتز  إلكترونية في عام 1927م باستخدام الصمامات الإلكترونية المفرغة من الهواء (vacuum tube electronic valves). ومع اختراع التراتزستور في عام 1947م والدوائر المتكاملة في عام 1960م التي قلصت من أحجام الدوائر الإلكترونية شاع استخدام هذه الساعات في كثير من التطبيقات وخاصة ساعات اليد.  لقد أحدثت ساعات الكوارتز  بسبب دقتها العالية نسبيا ثورة في مجالات كثيرة خاصة في الحواسيب وشبكات المعلومات وأنظمة الاتصالات المختلفة. ففي أنظمة الاتصالات على سبيل المثال أصبحت الترددات المستخدمة في مرسلاتها ومستقبلاتها عالية الدقة والثبات مما جنب المهندسين عملية ضبط هذه الترددات كل حين لتجنب التداخل بين إشارات الأنظمة المختلفة.  
الساعات الذرية

تستخدم الساعات الذرية الترددات الميكروية (microwave) أو الضوئية (optical) المنبعثة من الذرات المثارة لبعض العناصر كمرجع زمني لظبط وقتها. فجميع ذرات العناصر  إذا ما تم إثارة إلكتروناتها من مدار منخفض الطاقة إلى مدار  عالي الطاقة بالتسخين فإن هذه الإلكترونات المثارة ستهبط بعد حين إلى وضعها الطبيعي مطلقة فرق الطاقة على شكل إشعاع كهرومغناطيسي له تردد ثابت يعتمد على فرق الطاقة بين المدارين. ولقد وجد العلماء أن عناصر معدودة يمكن أن تشع ترددات تقع ضمن نطاق الأمواج الدقيقة (microwave band) الذي يمتد من واحد جيقاهيرتز إلى ثلاثمائة جيقاهيرتز  والذي يمكن قياسها بدقة عالية باستخدام الأجهزة الإلكترونية المتاحة. ومن هذه العناصر  السيزيوم  (Caesium) بتردد 9,192,631,770 هيرتز  والروبيديوم (Rubidium) بتردد 6,834,682,610 هيرتز  والهيدروجين (hydrogen) بتردد 1,420,405,751 هيرتز  وجميعها أقل من عشرة جيقاهيرتز  أي يمكن قياسها بسهولة بدقة تصل إلى هيرتز واحد أو أقل.
لقد تم تصنيع أول ساعة ذرية دقيقة في عام 1955م في مختبر الفيزياء الوطني في  بريطانيا  بعد سلسلة من المحاولات بدأت في عام 1949م في كل من الولايات الأمريكية المتحدة وبريطانيا. ويتم بناء الساعات الذرية بطرق عديدة إلا أن الطريقة الأكثر شيوعا هي ما يسمى بمعيار الشعاع الذري (atomic beam standard) والمستخدمة في النظام العالمي للمقاييس لتعريف الثانية. وفي هذه الطريقة يتم إنتاج كميات كافية من غاز العنصر المستخدم كالسيزيوم مثلا ومن ثم إثارته للحالة المطلوبة إما بالتسخين أو بالموجات الضوئية والكهرومغتاطيسية. يتم تشكيل وتوجيه الذرات المثارة على شكل شعاع (beam)  يمر على عدة محطات من المعالجة لإختيار   الحالة المثارة المطلوبة حيث أن الإلكترونات المثارة غالبا ما تنتقل لعدة مدارات منتجة عدة حالات من الإثارة.  ويتم إدخال شعاع الذرات المعالج إلى فجوة رنين قابلة للتوليف (tunable microwave resonant cavity) والتي تعتبر أهم مكونات الساعة الذرية. يتم تصميم أبعاد فجوة الرنين بحيث يكون تردد الرنين الأساسي لها (fundamental resonant frequency ) مساويا لتردد الإنتقال الذري المطلوب (atomic transition frequency),  وعندما تبرد الذرات المثارة في داخل الفجوة فإنها تشع طاقتها على شكل موجات دقيقة (microwave) بتردد الانتقال المطلوب وتبدأ الفجوة بالرنين على هذا التردد إذا كانت أبعادها صحيحة. وعادة ما يتم توليف الفجوة بتغيير أحد أبعادها للحصول على أكبر إتساع (amplitude) للإشارة الكهرومغناطيسية المتولدة. يتم أخذ جزء من الإشارة المتولدة باستخدام هوائي بسيط (probe) ليتم معالجتها للحصول على المرجع الزمني المطلوب (time reference).  تعتمد دقة الساعات الذرية على عوامل كثيرة منها دقة الأجهزة المستخدمة ودرجة الحرارة ونوع العنصر المستخدم وغيرها ولقد بلغت دقة ساعات السيزيوم في الوقت الحالي إلى جزء من بليون جزء من الثانية في اليوم أي أنها تتغير بمقدار ثانية واحدة في كل ثلاثة ملايين سنة تقريبا وقد تصل إلى ثانية واحدة في كل ثلاثين مليون سنة.     
لقد تم استخدام الساعات الذرية في تطبيقات كثيرة وكذلك أدت إلى ظهور تطبيقات جديدة ما كان لها أن تظهر بدون الساعات الذرية. لقد أصبح  الزمن المقاس بهذه الساعات أقرب ما يكون للزمن المطلق بحيث أمكن قياس التغير  في كثير من الظواهر الكونية كالتباطؤ في سرعة دوران الأرض وغيرها. وفي أنظمة تحديد الموقع العالمي (Global Positioning Systems (GPS)) أصبح تحديد إحداثيات المواقع أكثر دقة حيث أمكن قياس فروقات زمنية بين إشارات الأقمار الصناعية  المستخدمة في هذه الأنظمة أقل من عشرين نانوثانية وبالتالي فروقات في المسافة أقل من عدة سنتيمترات. وفي شبكات الألياف الضوئية أصبح بالإمكان بفضل الساعات الذرية إرسال إشارات رقمية بمعدلات قد تصل إلى مائة بليون بت في الثانية بسبب أن جميع عقد الشبكة (network nodes) تعمل بساعات ثانوية مرتبطة ومتزامنة بالساعات الذرية. وفي أنظمة البث الإذاعي والتلفزيوني والبث من الأقمار الصناعية استخدمت الساعات الذرية لضبط الترددات المستخدمة في هذه الأنظمة بشكل بالغ الدقة مما جنبها مشاكل التداخل بين إشاراتها وكذلك تسهيل عمليات استقبالها. وفي مجال الفضاء أصبحت عمليات إطلاق الصواريخ  وكذلك تحديد مدارات الأقمار الصناعية ومسارات المركبات الفضائية المرسلة للفضاء الخارجي أكثر دقة.  وفي مجال البحث العلمي أصبح بالإمكان قياس فترات زمنية لا تتجاوز جزء من مليون بليون جزء من الثانية أي فمتوثانية (femtosecond) مما ساعد في رصد وإكتشاف أحداث بالغة القصر  في التفاعلات الكيميائية والفيزيائية .

 


 

 


 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق