الثقوب السوداء في الحديث النبوي
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\ جامعة العلوم
والتكنولوجيا
لقد ذكرت في مقدمة مقالة (حديث هلاك
الجراد) أنه بسبب عدم قطعية ثبوت كثير من الأحاديث النبوية كان من السهل على بعض الناس إنكار صحة بعض
الأحاديث النبوية إما لوجود خلل في صحة إسنادها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو لظنهم أن الحقائق الواردة في متنها قد تتعارض مع صريح القرآن أو مع المفاهيم
العلمية السائدة في عصرهم. ولحسن الحظ أن عددا كبيرا جدا من الأحاديث التي لم
تنطبق عليها شروط الصحة الصارمة التي تقيد بها بعض جامعي الحديث النبوي كالبخاري
ومسلم قد تم تدوينها من قبل محدثين آخرين أكثر تساهلا في شروط قبول الحديث. وحجة
هؤلاء أن نسبة كثيرة من الأحاديث المتداولة لا بد وأن تكون صحيحة ولكنه تعذر إثبات
إسنادها بالطريقة وبالشروط التي التزم بها بعض المحدثين أمثال البخاري ومسلم رحمهم
الله. وحسنا فعل هؤلاء المحدثين فقد تبين لنا في هذه العصر أن كثيرا من الأحاديث
التي لم تنطبق عليها شروط صحة السند المتصل يمكن التأكد من صحتها من خلال محتوى
متنها خاصة تلك الأحاديث التي تتحدث عن أحداث مستقبلية أو تتحدث عن حقائق علمية
حيث يثبت صحة الحديث بمجرد حدوث الحدث المتنبأ به أو من خلال موافقة المكتشفات
العلمية لما جاء فيها ويتم بذلك التأكد من أن الشخص الذي صدر الحديث عنه لا بد أن
يكون مرسل من الله سبحانه وتعالى وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وفي هذه المقالة سنتحدث عن حديث أو أثر يتعلق بالثقوب السوداء ذكره القرطبي عند تفسير سورة فصلت عند هذه
الآية " فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها " ففي حديث ذكره الثعلبي: إن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب لو أن السموات والأرض حين قلت لهما " ائتيا طوعا
أو كرها " عصياك ما كنت صانعا بهما ؟ قال كنت آمر دابة من دوابي فتبتلعهما. قال:
يا رب وأين تلك الدابة ؟ قال: في مرج من
مروجي. قال: يا رب وأين ذلك المرج ؟ قال علم من علمي..))ا.ه. إن
مما يؤكد صحة هذا الأثر أن الإنسان مهما شطح به الخيال يمكنه أن يتخيل وجود شيء
يمكنه أن يلتهم هذا الكون بأكمله ولكننا في هذا العصر وبعد إكتشاف العلماء للثقوب
السوداء أدركنا معنى هذا الأثر النبوي.
تتكون الثقوب السوداء في داخل النجوم العملاقة الفائقة
إذا ما زادت كتلة القلب الحديدي فيها عن ثلاثة أضعاف كتلة الشمس حيث يتحول القلب
أولا إلى قلب نيوتروني ثم ينهار القلب
النيوتروني بسبب شدة الجاذبية ليتحول إلى ثقب أسود (stellar mass
black holes). وإذا كان قطر النجم النيوتروني لا يتجاوز
العشرين كيلومتر رغم أن كتلته قد تصل لثلاثة أضعاف كتلة الشمس فإن قطر الثقب
الأسود سيؤول إلى الصفر بينما كتلته تزيد بثلاثة
أضعاف عن كتلة الشمس وهذا يعني أن كثافته ستؤول إلى مالانهاية. وعلى هذا
فإن جاذبية الثقب الأسود ستصبح لانهائية وله القدرة على جذب والتهام الأجسام التي تقع ضمن أفقه (black hole's horizon) وتحطيمها وتحويلها إلى نفس حالة المادة التي
يتكون منها والتي في الأغلب هي نفس حالة المادة في بداية الإنفجار العظيم (gravitational
singularity). وببدأ
الثقب الأسود حياته كثقب أسود نجمي تتراوح كتلته بين ثلاثة
أضعاف و عشرين ضعف كتلة الشمس ثم يتحول بسبب إلتهامه للأجرام المحيطة به إلى ثقب أسود متوسط الكتلة تتراوح كتلته ما بين مائة وعشرة آلاف كتلة
الشمس ثم يتحول إلى ثقب أسود فائق الكتلة (supermassive
black holes) قد تصل كتلته إلى بليون كتلة شمسية.
وغالبا ما توجد الثقوب السوداء في مراكز المجرات ويستدل
عليها من خلال دراسة طبيعة حركة النجوم التي تدور حولها وكذلك إنحراف مسار الضوء
الذي يمر قريبا منها. وبسبب الجاذبية
اللانهائية للثقوب السوداء فإنه يستحيل حتى على الضوء الإفلات منها ولذا فهي لا
تطلق أي نوع من الإشعاعات وبالتالي لا يمكن رؤيتها وتبدو كمنطقة سوداء في الفضاء
خالية من أي مادة مرئية ولذا أطلق عليها اسم الثقوب السوداء. إن الثقوب السوداء
تعمل كمكانس كونية لا يمكن رؤيتها وعندما تتحرك فإنها تبتلع كل ما تصادفه في
طريقها من أجرام. ومن العجيب أن علماء
الفيزياء يحاولون تصنيع ثقوب سوداء في معاملهم وهم يعلمون أنهم لو نجحوا في ذلك
لما أمكنهم السيطرة عليها وستبتلع كل ما حولها بما فيها الأرض فهي كالنار التي
تبدأ من شرارة ثم تكبر بشكل هائل إذا ما توفر لها ما تأكله.
وقد تكون هذه الثقوب السوداء هي المقصودة في قوله تعالى "فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ
الْكُنَّسِ (16) " التكوير فهذه المخلوقات التي أقسم الله بها للتدليل
على عظمة خلقها تتصف بالخنوس دلالة على خفائها وبالجري دلالة على حركتها في هذا
الكون وبالكنس دلالة على شفطها لأي مادة تقع ضمن جاذبيتها والله أعلم. وأما الحديث الشريف الذي يؤكد وجود
هذه الثقوب السوداء القادرة على إلتهام النجوم والمجرات فقد ذكره القرطبي
عند تفسير سورة فصلت عند هذه الآية " فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها " ففي حديث ذكره الثعلبي: إن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب لو أن السموات والأرض حين قلت لهما " ائتيا طوعا
أو كرها " عصياك ما كنت صانعا بهما ؟ قال كنت آمر دابة من دوابي فتبتلعهما. قال:
يا رب وأين تلك الدابة ؟ قال: في مرج من
مروجي. قال: يا رب وأين ذلك المرج ؟ قال علم من علمي..))ا.ه. فهذا الحديث يؤكد بشكل واضح على وجود مثل هذه الثقوب السوداء في أرجاء هذا
الكون والتي شبهها الله عز وجل بالدواب فهي تأكل مادة الكون كما تأكل الدواب العشب
في مروج الأرض وما مروج الله عز وجل إلا هذه المجرات وعناقيد المجرات. ولقد ربط الحديث معرفة
مكان المرج بعلم الله عز وجل للتأكيد على أن معرفة طبيعة هذه المروج لا تتم إلا من
خلال العلم ولقد شاء الله عز وجل أن يحيط البشر في هذا العصر ببعض علمه ليريهم بعض
آياته في هذا الكون وصدق الله العظيم القائل (سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)) فصلت.