2014-08-02

معلقة أمرؤ القيس الكندي



أمرؤ القيس الكندي (نجد 496-544م)

المعلقة
قفا نبكِ مِن ذِكُرى حبِيب ومنزِلِ
بِسِقطِ اللِّوى بين الدّخُولِ فحوملِ
فتُوِضح فالِمقراةِ لم يعفُ رسمُها
لِما نسجتها مِن جنُوب وشمألِ
ترى بعر الآرآمِ فِي عرضاتِها
وقِيعانِها كأنّهُ حبُّ فُلفُلِ
كأنِّي غداة البينِ يوم تحمّلُوا
لدى سمُراتِ الحيِّ ناقِف حنظلِ
وُقُوفا بِها صحبي عليّ مطِيّهُم
يقُولُون لا تهلِك أسى وتجمّلِ
وإِنّ شِفائِي عبرة مُهراقة
فهل عِند رسم دارِس مِن مُعوّلِ
كدأبِك مِن أُمِّ الحويرِثِ قبلها
وجارتِها أُمِّ الرِّبابِ بِمأسلِ
إِذا قامتا تضوّع المِسكُ مِنهُما
نسِيم الصِّبا جاءت بِريّا القرنفُلِ
ففاضت دُمُوعُ العينِ مِنِّي صبابة
على النّحرِ حتّى بلّ دمعِي محمليِ
ألا رُبّ يوم لك مِنهُنّ صالِح
ولا سِيمّا يوم بِدارةِ جُلجُلِ
ويوم عقرتُ لِلعذارى مطِيِّتي
فيا عجبا مِن كُورِها الُمتحمّلِ
فظلّ العذارى يرتِمين بِلحمِها
وشحم كهُدّابِ الدِّمقسِ الُمفّتلِ
ويوم دخلتُ الخِدرِ خدر عُنيزة
فقالت لك الويلاتُ إِنّك مُرجِلي
تقُولُ وقد مال الغبِيط بِنا معا
عقرت بعيري يا امرأ القيسِ فانزِلِ
فقُلتُ لها سِيري وأرخِي زِمامهُ
ولا تُبعِدِيني مِن جناكِ اُلمعلّلِ
فمِثلِكِ حُبلى قد طرقتُ ومُرضِع
فألهيتُها عن ذِي تمائِم مُحوِلِ
إِذا ما بكى من خلفِها انصرفت لهُ
بِشِقّ وتحتي شِقّها لم يُحوّلِ
ويوما على ظهرِ الكثيبِ تعذّرت
عليّ وآلت حلفة لم تحلّلِ
أفاطِم مهلا بعض هذا التّدلّلِ
وإِن كنتِ قد أزمعتِ صرمي فأجمِلي
أغرّكِ منِّي أن حبّكِ قاتِلي
وأنّكِ مهما تأمري القلب يفعلِ
وإِن تكُ قد ساءتك مِني خليقة
فسُلِّي ثيابي من ثيابِكِ تنسُلِ
وما ذرفت عيناكِ إِلا لِتضرِبي
بِسهميكِ في أعشارِ قلب مُقتّلِ
وبيضةِ خِدر لا يُرامُ خِباؤُها
تمتّعتُ من لهو بها غير مُعجلِ
تجاوزتُ أحراسا إِليها ومعشرا
علّي حِراصا لو يسرُّون مقتلي
إِذا ما الثّريّا في السّماءِ تعرّضت
تعرُّض أثناءِ الوِشاحِ الُمفصّلِ
فجِئتُ وقد نضّت لِنوم ثيابها
لدى السّترِ إِلا لِبسة الُمتفضِّلِ
فقالت يمين اللهِ مالك حِيلة
وما إِن أرى عنك الغواية تنجلي
خرجتُ بها أمشي تجُرِّ وراءنا
على أثرينا ذيل مِرط مُرحّلِ
فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى
بنا بطنُ خبت ذي حِقاف عقنقلِ
هصرتُ بِفودي رأسِها فتمايلت
علّي هضِيم الكشحِ ريّا المخلخلِ
مُهفهفة بيضاءُ غيرُ مُفاضة
ترائبُها مصقولة كالسّجنجلِ
كبكرِ الُمقاناةِ البياض بصُفرة
غذاها نميرُ الماءِ غيرُ الُمحلّلِ
تصُدّ وتُبدي عن أسيل وتتّقي
بناظرة من وحشِ وجرة مُطفِلِ
وجِيد كجِيدِ الرّئمِ ليس بفاحش
إِذا هي نصّتهُ ولا بمُعطّلِ
وفرع يزينُ المتن أسود فاحِم
أثِيث كقِنوِ النّخلةِ الُمتعثكِل
غدائِرُه مُستشزِرات إِلى العُلا
تضِلّ العِقاصُ في مُثنّى ومُرسلِ
وكشح لطيف كالجديل مُخصّر
وسآق كانبوبِ السّقيّ الُمذلّلِ
وتضحي فتيتُ المِسكِ فوق فراشها
نؤُوم الضُّحى لم تنتُطِق عن تفضُّل
وتعطو برخص غيرِ شئن كأنهُ
أساريعُ ظبي أو مساويكُ إِسحِلِ
تُضيءُ الظّلام بالعِشاءِ كأنّها
منارةُ مُمسى راهِب مُتبتِّلِ
إِلى مِثلِها يرنو الحليمُ صبابة
إِذا ما اسبكرّت بين درع ومجولِ
تسلّت عماياتُ الرِّجالِ عنِ الصِّبا
وليس فُؤادي عن هواكِ بُمنسلِ
ألا رُبّ خصم فيكِ ألوى رددتُه
نصيح على تعذالهِ غيرِ مُؤتلِ
وليل كموجِ البحرِ أرخى سُدولهُ
عليّ بأنواعِ الُهمُومِ ليبتلي
فقلتُ لهُ لّما تمطّى بصُلبِهِ
وأردف أعجازا وناء بكلكلِ
ألا أيُّها الّليلُ الطّويلُ ألا انجلي
بصُبح وما الإِصباحُ مِنك بأمثل
فيا لك مِن ليل كأنّ نُجومهُ
بأمراسِ كتّان إِلى صُمِّ جندلِ
وقِربةِ أقوام جعلتُ عِصامها
على كاهِل منِّي ذلُول مُرحّل
وواد كجوفِ العيرِ قفر قطعتُهُ
بهِ الذئبُ يعوي كالخليعِ الُمعيّلِ
فقُلتُ لهُ لما عوى إِنّ شأننا
قليلُ الغِنى إِن كنت لّما تموّلِ
كِلانا إِذا ما نال شيئا أفاتهُ
ومن يحترِث حرثي وحرثك يهزِل
وقد أغتدي والطّيُر في وُكُناتِها
بُمنجرِد قيدِ الاوابِدِ هيكلِ
مِكر مِفرِّ مُقبِل مُدبِر معا
كجُلمُودِ صخر حطّهُ السّيل من علِ
كُميت يزِل الّلبدُ عن حالِ متنِهِ
كما زلّتِ الصّفواءُ بالُمتنِّزلِ
على الذّبلِ جيّاش كأنّ اهتزامهُ
إِذا جاش فيهِ حميُهُ غليُ مِرجلِ
مِسحِّ إِذا ما السّابحاتُ على الونى
أثرن الغُبار بالكديدِ المركلِ
يزِلّ الغُلام الخِفُّ عن صهواتِهِ
ويُلوي بأثوابِ العنيفِ الُمثقّلِ
درير كخُذروفِ الوليدِ أمرّهُ
تتابُعُ كفّيهِ بخيط مُوصّلِ
لهُ أيطلا ظبي وساقا نعامة
وإِرخاءُ سِرحان وتقرِيبُ تتفُلِ
ضليع إِذا استدبرتهُ سدّ فرجهُ
بضاف فُويق الأرض ليس بأعزلِ
كأنّ على المتنينِ منهُ إِذا انتحى
مداك عروس أو صلاية حنظلِ
كأنّ دِماء الهادِياتِ بِنحرِهِ
عُصارةُ حِنّاء بشيب مُرجّلِ
فعنّ لنا سِرب كأنّ نِعاجهُ
عذارى دوار في مُلاء مُذيّلِ
فأدبرن كالجِزعِ المفصّل بينهُ
بِجِيدِ مُعمِّ في العشيرةِ مُخولِ
فألحقنا بالهادِياتِ ودُونهُ
جواحِرُها في صرّة لم تُزيّلِ
فعادى عِداء بين ثور ونعجة
دراكا ولم ينضح بِماء فيُغسلِ
فظلّ طُهاةُ اللّحم من بينِ مُنضجِ
صفِيف شِواء أو قدِير مُعجّلِ
ورُحنا يكادُ الطّرفُ يقصُر دُونهُ
متى ما ترقّ العينُ فيهِ تسفّلِ
فبات عليهِ سرجُهُ ولِجامُهُ
وبات بِعيني قائِما غير مُرسلِ
أصاحِ ترى برقا أُرِيك ومِيضهُ
كلمعِ اليدينِ فِي حبيِّ مُكلّلِ
يضِيءُ سناهُ أو مصابِيحُ راهِب
أمال السّلِيط بالذُّبالِ الُمُفتّلِ
قعدتُ لهُ وصُحبتي بين ضارِج
وبين العُذيبِ بعد ما مُتأمّلي
فأضحى يسُحُّ الماء حول كُتفه
يكُبُّ على الأذقانِ دوج الكنهبلِ
ومرّ على القنّانِ مِن نفيانِهِ
فأنزل منه العُصم من كلّ منزِلِ
وتيماء لم يترُك بها جِذع نخلة
ولا أُطُما إِلا مشِيدا بِجندلِ
كأنّ ثبيرا فِي عرانِينِ وبلهِ
كبيرُ أناس فِي بِجاد مُزمّلِ
كأنّ ذُرى رأسِ الُمجيمِرِ غُدوة
من السّيلِ والأغثاءِ فلكهُ مِغزلِ
وألقى بصحراءِ الغبيطِ بعاعهُ
نزُول اليماني ذي العِيابِ المحمّلِ
كأنّ مكاكّي الجِواءِ غُديّة
صُبِحن سُلافا من رحيق مُفلفلِ
كانّ السِّباع فِيهِ غرقى عشِيّة
بِأرجائِهِ القُصوى أنابِيشُ عُنصُلِ

من كتاب (خمسون ألف بيت من الشعر)
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي


الكتاب متوفر على الموقع التالي




 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق