فلا أقسم
بمواقع النجوم
الدكتور
منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
إن أهم ما يميز القرآن
الكريم على غيره من الكتب السماوية هو كثرة الحديث عن مخلوقات هذا الكون وحثه
الناس على التفكر في أسرار خلقها لكي يوقنوا بإستحالة أن تكون قد خلقت هذه بالصدفة
بل لا بد لها من خالق لا حدود لعلمه وقدرته سبحانه وتعالى. ولقد أكد القرآن الكريم في آيات كثيرة على أن
العلم هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يقود البشر لكشف أوجه الإعجاز الموجود في هذه
المخلوقات فكلما ازداد علم البشر بالقوانين التي تقف وراء عملية خلقها ازدادت
قناعتهم بوجود مثل هذا الإعجاز. ولهذا نجد أن القرآن الكريم غالبا ما يعقب بعد ذكر
المعجزة الكونية بأن إدراك وجه إعجازها لا يتسنى إلا لمن أعمل عقله لفهم أسرارها
كما في قوله تعالى "إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون" وقوله سبحانه
"إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون"
وقوله تعالى "إنّ في ذلك لآيات للعالمين". ونجد كذلك أن الله قد أكثر في القرآن الكريم من الثناء على العلماء وأكد سبحانه على أنه سيرفعهم بهذا العلم درجات إذا
ما قادهم علمهم للإيمان بالله عز وجل كما في قوله تعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولوا الألباب" الزمر 9، وقوله تعالى "يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" المجادلة 11.
ولقد أشار القرآن الكريم بشكل واضح إلى أن إدراك الإعجاز
الموجود في مخلوقات الله مرتبط بمقدار علم البشر بخصائص هذه المخلوقات فعندما أقسم
الله عز وجل بمواقع النجوم في قوله تعالى
"فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ
(75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)" الواقعةأكد على أن عظمة هذا القسم مرتبط بمقدار علم البشر
بهذه المواقع. وعلى الرغم من أن
القرآن الكريم قد لفت نظر البشر إلى وجود معجزات في كل ما خلق الله من مخلوقات
وأكد لهم أن العلم هو السبيل الوحيد الذي سيقودهم لكشف أسرار خلقها إلا أنه لم
يبين لهم كثير من أوجه إعجازها بل ترك لهم مهمة كشف تفاصيل تركيبها باستخدام
العقول التي وهبهم الله إياها. وممّا يؤكد صدق القرآن الكريم وأنه منزل من لدن
عليم خبير هو تأكيده على أن البشر سيتمكنون
في المستقبل من كشف هذه الأسرار ومعرفة أوجه إعجازها وهذا ما حصل بالفعل في القرن
العشرين وذلك في قوله تعالى "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ
أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)" فصلت، وفي قوله سبحانه "وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا
رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)" النمل.
إن
من أكثر المخلوقات التي تحدث عنها القرآن الكريم هي السموات وما فيها من أجرام وقد
حث البشر على التفكر فيها لكي يعلموا من خلال بديع صنعها أنه لا بد أن يكون لها
خالقا لا حدود لعلمه وقدرته فقال عز من قائل "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ. الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ
فَقِنا عَذابَ النَّارِ " آل عمران190-191. ولم يكتف القرآن الكريم بحث
البشر على التفكر في هذه المخلوقات بل ذكر لهم بعض الحقائق اللطيفة والدقيقة عنها
لكي يوقنوا عند إكتشافها أن الله عز وجل قد أحاط بها علما مصداقا لقوله تعالى "اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ
الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)" الطلاق . بل إن هذه الإشارات قد تساعد
العلماء من التأكد من صحة ما توصلوا إليه من نتائج خاصة تلك المتعلقة بنشأة الكون
الذي حدث في الماضي السحيق ولم يشهده البشر وما قوله تعالى "ثم استوى إلى السماء وهي
دخان" إلا أكبر دليل على ذلك حيث اكتشف العلماء أن الكون بعد الإنفجار العظيم
قد إمتلأ بالجسيمات الأولية التي أسماها
القرآن دخانا كما سنبين ذلك بالتفصيل. وقد أشار القرآن الكريم بشكل واضح إلى أبعاد
النجوم وخصائصها وبعض أنواعها وكذلك مصيرها في عصر كان معظم البشر يعتقدون أن
النجوم أزلية الوجود ولا يعرفون شيئا عن أبعادها وأحجامها وما يجري فيها من أحداث.
وسأعقب بعد شرح الحقائق العلمية المتعلقة بالكون الآيات القرآنية التي تتحدث عن
نفس الموضوع ليستقين القاريء أنها لا يمكن أن تكون قد صدرت عن بشر بل صدرت عن عليم
خبير وهو خالق هذا الكون سبحانه وتعالى القائل "أَلَا يَعْلَمُ
مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) " الملك .
نشأة الكون ونظرية الإنفجار العظيم
لقد
ظهرت نظرية الإنفجار العظيم (the big bang) بعد أن قام الفلكي والرياضي الروسي الكسندر فريدمان
في عام 1922م بإعادة حل معادلات النسبية العامة التي وضعها ألبرت أينشتاين في عام 6191م
وتبين له من الحل أن الكون في حالة توسع دائم وذلك على عكس
ما توصل إليه أينشتاين عندما حل هذه المعادلات وأثبت
أن الكون ساكن. وقد اعترف أينشتاين فيما بعد بأنه قد ارتكب أكبر غلطة في حياته
عندما اختار قيمة الثابت الكوني (cosmological constant) في معادلاته
ليبقى
على الكون ساكنا (static universe) لأن
ذلك كان هو الاعتقاد السائد في الأوساط العلمية. وفي عام 1929م اكتشف الفلكي
الأمريكي إدوين هابل (Edwin Hubble) بالاعتماد
على قياس مقادير الإزاحة الحمراء (red shift) في الطيف المنبعث من أعداد كبيرة من المجرات أن
المجرات البعيدة تنحسر بسرعة أكبر من المجرات القريبة ثم
قام بوضع القانون الذي يربط ما بين المسافة التي تفصلنا عن هذه المجرات وبين سرعة
انحسارها أو ما يسمى بقانون هابل (Hubble's law). إن مثل هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها إلا من خلال
افتراض أن هذه المجرات قد انطلقت من مكان واحد في هذا الكون وتطايرت في جميع
الاتجاهات هذا على افتراض أن الكون متجانس في جميع أرجاءه وذلك في النطاق الواسع (large scale) وهي أحد أهم الفرضيات التي يعتمد عليها علماء الكون
في دراساتهم. وفي عام 1931م اقترح القس البلجيكي جيرجس لامتير (Georges Lemaître) سيناريو للطريقة التي نشأ بها الكون وهو أنه قد ظهر
نتيجة لانفجار عظيم (massive blast) لما
يسمى بالبيضة الكونية (cosmic egg) والتي كانت تحتوي على جميع
مادة وطاقة هذا الكون وقد أطلق على هذا الإنفجار فيما بعد اسم الانفجار
العظيم (Big Bang).
وفي عام 1964م تمكن العالمان الأمريكيان
أرنو بنزيس وروبرت ويلسون (Arno Penzias and Robert Wilson) من قياس درجة حرارة الإشعاع
الكوني الناتج عن الإنفجار العظيم ووجدوا
أن قيمتها تبلغ ثلاثة درجات تقريبا على مقياس كلفن (2.725 K) مما يعني أن ترددات هذا الإشعاع تتمركز في منطقة الموجات الدقيقة للطيف الكهرومغناطيسي
ولذا أطلقوا عليها إسم خلفية الموجات
الدقيقة الكونية (cosmic microwave background). لقد تم إكتشاف هذا
الإشعاع الكوني بالصدفة حيث كان هذان العالمان يجريان تجارب لقياس كمية
الضجيج (noise) القادم من الفضاء الخارجي التي تلتقطه الهوائيات المستخدمة في
الأقمار الصناعية وكانت النتيجة مؤكدة للحسابات النظرية التي حصل عليها العلماء
المشتغلين في مجال نشأة الكون.
وبناءا على هذه الحقيقة بدأ علماء الفيزياء
الفلكية بدراسة سلسلة الأحداث التي مر بها الكون منذ لحظة انفجاره إلى الآن وذلك
بعد أن قاموا بتقدير كمية المادة والطاقة الموجودة في الكون في الوقت الراهن حيث
يقدر العلماء عدد المجرات في الكون المشاهد (observable universe) بثلاثمائة بليون مجرة يحتوي
كل منها في المتوسط على مائة بليون نجم وما يتبعها من كواكب. وإذا ما سلم العلماء
بصحة سيناريو الانفجار العظيم فإن هذا العدد الهائل من المجرات وما تحويه من نجوم
كان يوما ما محصورا داخل كرة لا حجم لها عند ساعة الصفر ثم بدأت تكبر شيئا فشيئا
إلا أن أصبحت بالحجم الذي هي عليه الآن. وللقارئ أن يتخيل كم ستكون كثافة المادة
إذا ما تم ضغط جميع مادة هذا الكون في كرة قطرها كيلومتر ثم متر ثم سنتيمتر ثم ميلليمتر
وهكذا إلى أن تصبح كرة بلا قطر أو ما يسميه العلماء بالنقطة المفردة (Singularity). ولكي نعين القارئ على تخيله
هذا نذكر له أن انهيار نجم بحجم شمسنا أو أقل إذا ما نفد وقوده يؤدي إلى تحوله إلى
قزم أبيض بحجم يقل قليلا عن حجم الأرض ولكن كثافة المادة فيه تصل إلى عدة أطنان في
السنتيمتر المكعب الواحد. وإذا كان هذا هو
حال كثافة المادة عند انهيار نجم واحد فقط فماذا سيكون حال كثافة المادة عند
انهيار جميع مجرات الكون لتكون داخل كرة بحجم كرة القدم أو أصغر من ذلك! إن كونا
بدأ بهذه الكثافة الهائلة لا يمكن له أن بنفجر من تلقاء نفسه أبدا وذلك بسبب
جاذبيته اللامتناهية إلا إذا وجد من يفجره وهو خالقه سبحانه وتعالى.
لقد كان الكون عند ساعة
الصفر على شكل نقطة مادية غاية في الصغر لها درجة حرارة وكثافة غاية في الكبر ولا
يعرف العلماء على وجه التحديد ماهية المادة الأولية التي انبثق منها هذا الكون ولا
من أين جاءت ولماذا اختارت هذا الوقت بالتحديد لكي تنفجر ولا يعرفون كذلك أيّ شيء
عن حالة الكون قبل الانفجار وصدق الله العظيم القائل "مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ
أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا" الكهف 51. ويغلب على ظن العلماء أن مادة الكون كانت عند بداية الانفجار مادة صرفة ذات
طبيعة واحدة وتحكمها قوة طبيعية واحدة وقد بدأت هذه المادة الصرفة بالتمدد بشكل
رهيب وبسرعات غاية في الكبر نتيجة لهذا الانفجار لتملأ الفضاء من حولها هذا إذا ما
كان هناك ثمة فضاء حيث يعتقد العلماء أن المكان والزمان قد ظهرا مع ظهور هذا
الانفجار. لقد كان الكون الأولي على شكل كرة نارية متجانسة تملؤها سحابة من المادة
الصرفة العالية الحرارة والكثافة حيث قدر العلماء درجة حرارة الكون عند لحظة
الانفجار برقم هو حاصل رفع الرقم عشرة للأس 35 درجة بينما قدرت الكثافة برقم هو
حاصل رفع الرقم عشرة للأس مائة وعشرين إيرج لكل سنتيمتر مكعب. ومع إزدياد حجم هذه
الكرة المتوسعة بدأت درجة حرارتها وكذلك كثافتها بالهبوط تدريجيا نتيجة لتوزع
طاقتها على حجم أكبر. وبعد هبوط درجة حرارة هذه المادة إلى رقم عشرة مرفوع للأس 28
درجة كلفن بدأت الجسيمات الأولية كالكواركات واللبتونات والفوتونات بالتشكل من
هذه المادة الصرفة وبدأت كذلك قوى الطبيعية الأربعة التي كانت موحدة في قوة
واحدة بالانفصال عن بعضها البعض تدريجيا.
ومع استمرار تناقص درجة حرارة هذا الكون الناشئ
إلى الرقم 10 مرفوع للأس 14 درجة
كلفن بدأت مكونات الذرة الأساسية الثلاث وهي البروتونات والنيوترونات والإلكترونات
بالتشكل من خلال اندماج أنواع الكواركات والليبتونات المختلفة مع بعضها البعض تحت
تأثير القوى الطبيعية المختلفة. ومع إنخفاض درجة الحرارة إلى ما دون عشرة آلاف
درجة بعد مرور ما يقرب من نصف مليون سنة من لحظة الإنفجار بدأت ذرات الهيدروجين والهيليوم بالتشكل من هذه
الجسيمات.
ولقد أشار القران الكريم بشكل واضح في أربع مواضع إلى الانفجار الكوني العظيم وإلى
التوسع الكوني وكذلك إلى انهيار هذا الكون في النهاية وإلى طبيعة المادة التي
تكونت منها أجرام هذا الكون. فقد أشار القرآن الكريم إلى أن السموات وما تحويه من
أجرام كانت كتلة واحدة ثم تفتفت جميع مادة
هذا الكون من هذه الكتلة التي ملأت الكون بمادة دخانية وذلك مصداقا لقوله تعالى
"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ
الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" الأنبياء 30.
وممّا يؤكد على أن مادة هذا الكون قد جاءت نتيجة انفجار كوني ضخم هو إشارة القران
إلى أن الكون في توسع مستمر والتوسع لا يتأتى إلا إذا بدأ الكون من جرم صغير وبدأ
حجمه بالازدياد وذلك مصداقا لقوله تعالى
"وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" الذاريات 47. أما الآية الثالثة التي تؤيد صحة هذه
الفرضية هو قوله تعالى "يَوْمَ نَطْوِي
السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ
نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ" الأنبياء 104
فإذا كانت الآية السابقة تشير إلى توسع الكون عند بدايته فإن هذه الآية تشير إلى
انكماشه عند نهايته وسيعيد الله الكون إلى ما كان علية عند بدايته. لقد أجمع
العلماء على حقيقة التوسع الكوني ولكنهم لم يتمكنوا إلى الآن من البت في الحالة التي سيؤول إليها
الكون حيث يقول بعضهم أن الكون سيبقى في حالة تمدد إلى الأبد بينما يقول آخرون أنه
سيأتي يوم تتغلب فيه قوة الجذب بين مكوناته على قوة الاندفاع الناتجة عن الانفجار
فيعود الكون من حيث بدأ وينهار على نفسه. أما نحن المسلمون فنؤمن إيمانا جازما
بوعد ربنا سبحانه وتعالى حول مصير هذا الكون وأنه سيعود من حيث بدأ لقوله سبحانه
"وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" الزمر67.
أما الآية التي بينت إحدى مراحل الإنفجار العظيم هي قوله
تعالى "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ
دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا
أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ
وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا
بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)" فصلت. لقد تفرد
القرآن الكريم دون بقية الكتب السماوية السابقة بذكر حقيقة أن مادة الكون الأولية
كانت على شكل دخان وهو تعبير مجازي عن الجسيمات الأولية التي ملأت الفضاء الكوني
بعد الإنفجار العظيم. ولقد أطلق علماء الكون على هذه السحابة من الجسيمات الأولية
اسم الغبار أو الغاز الكوني بينما سماها
القرآن الدخان والتسمية القرآنية أدق من تسمية العلماء فالجسيمات الأولية أصغر من
أن تكون غبارا وحتى دخانا ولكن الدخان هو أصغر وأخف شيء يمكن أن تراه أعين البشر
إلى جانب أن الدخان قد يوحي بالحالة
الحارة التي كان عليها الكون عند بداية خلقه. والمقصود بالسماء في قوله تعالى
"ثم استوى إلى السماء وهي دخان"
هو الفضاء الذي امتلأ بالدخان الناتج عن الانفجار الكوني العظيم وليست
السماء التي ستتكون من هذا الدخان لاحقا فلم يكن ثمة سماء قبل ذلك. ولا بد هنا من أن نسأل الذين لا يصدقون بأن هذا
القرآن منزل من عند الله عز وجل من أين جاء هذا النبي الأمي الذي عاش في أمة أمية
بهذه الحقيقة الكبرى عن حال الكون عند بداية خلقه والتي بقيت مجهولة إلى أن كشفها
الله على أيدي خلقه في هذا العصر فقط.
الإنفجار العظيم وإستقرار الكون
إن اختيار الانفجار العظيم ليكون بداية لخلق هذا الكون تدل
على مدى علم من اختاره حيث أن الكون لن يكون مستقرا أبدا لو تم خلقه بغير هذه
الطريقة. ومما يدل على محدودية علم البشر هو أن أحد أعظم علمائهم في القرن العشرين
وهو ألبرت أينشتاين كان يظن أن الكون ساكنا وهذا لا يمكن أن يكون أبدا حيث أن
الكون سينهار على نفسه بسبب قوة الجاذبية بين أجرامه. فهذا الكون لا يمكن أن يكون
مستقرا إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حالة حركة مستمرة ولو حدث أن توقف أي جرم
عن الحركة لأنجذب فورا إلى أقرب الأجرام إليه. ولهذا فقد اختار الله سبحانه نوعين
من الحركة لهذه الأجرام حركة دائرية وأخرى خطية فالحركة الدائرية اختارها الله
لحفظ الأقمار حول الكواكب والكواكب حول الشموس والشموس حول مراكز المجرات ولوقف
هذه المتوالية اختار الله الحركة الخطية لحفظ المجرات من الإنجذاب لبعضها البعض حيث
أنها تتحرك في خطوط مستقيمة باتجاهات خارجة من مركز الإنفجار الكوني وصدق الله العظيم القائل "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ
الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا
اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)" يس. إن حركة الأجرام الدائرية حول مراكز
دورانها يمكن أن تبقى إلى ما لانهاية حيث أنها تسبح في فضاء لا وجود لقوى الاحتكاك
فيه ولكن حركة المجرات الخطية لا يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية وذلك بسبب تأثير
قوة الجاذبية لجميع مجرات هذا الكون على كل مجرة كما ذكرنا سابقا. ومما يدل على لامحدودية علم من خلق هذا الكون أن
قوة الانفجار هذا قد تم حسابها بشكل بالغ الدقة بحيث يكون لهذا الكون عمرا محددا
لا يعلمه على وجه التحديد إلا الله عز وجل ويقدر العلماء ما مضى من عمر هذا الكون
ما بين ثمانية وخمسة عشر بليون سنة.
الإنفجار العظيم وطاقة الكون
يقدر
العلماء كتلة الكون المشاهد برقم يساوي حاصل ضرب الرقم 3 بالرقم 10 مرفوع للأس 52
كيلوغرام (3 × 1052 Kg) وإذا
ما علمنا أن كتلة الشمس تساوي حاصل ضرب الرقم 2 بالرقم
10 مرفوع للأس 30 (2 × 1030 Kg) فإن كتلة الكون تعادل 15 ألف بليون بليون كتلة شمسية
(solar
mass). أما كمية الطاقة الموجودة في هذا
الكون فتقدر برقم يساوي حاصل ضرب الرقم 4 بالرقم 10 مرفوع للأس 69 جول (4 × 1069 Joule) وللمقارنة فإن كمية الطاقة التي تشعها الشمس في
الثانية الواحدة هي تقريبا 400 بليون بليون ميجاوات (3.86 × 1026Joule). وهذه الطاقة تشمل الطاقة
الكامنة في كتلة الكون والطاقة الحركية للإلكترونات في دورانها حول أنوية الذرات والطاقة الحركية
للأقمار والكواكب والنجوم وهي تدور في مداراتها المختلفة وللمجرات وهي مندفعة
بسرعات خيالية في الفضاء. ومن الواضح أن مصدر هذه الطاقة الهائلة لا بد أن يكون قد
صدر من إنفجار كوني ضخم ملأ الكون بهذه الكمية الهائلة من الجسيمات الأولية أو
الدخان حسب التعبير القرآني والتي كانت تندفع بسرعة وبطاقة حركية خيالية بعيدا عن مركز الإنفجار. إن هذه الطاقة الحركية
الهائلة هي التي وضعت الأقمار حول كواكبها والكواكب حول شموسها والشموس حول مراكز
مجراتها وهي التي تدفع بالمجرات الضخمة بالإندفاع بسرعات خيالية لمستقراتها.
وللمقارنة فإن وضع قمر صناعي بوزن لا يتجاوز الطن الواحد وفي مدار
يرتفع عن سطح الأرض 300
كيلومتر يحتاج لحرق عدة مئات من الأطنان
من الوقود وعلى ذلك فلنتخيل كمية الوقود اللازمة لوضع القمر الذي يبلغ وزنه 73
بليون بليون طن في مدار حول الأرض على
إرتفاع 384 ألف كيلومتر. وإذا كان البشر
قد استخدموا الصواريخ لوضع الأقمار الصناعية في مدارات حول الأرض فإن الله عز وجل
وضع الأجرام السماوية في مداراتها المختلفة من خلال هذا الإنفجار العظيم حيث تكونت
دوامات من ذرات المادة في مختلف أنحاء الكون وهي تنطلق بهذه السرعات الخيالية
نتيجة لفعل الجاذبية بينها. ومن الصعب تخيل سيناريو آخر غير الإنفجار الكوني يمكنه
أن يفسر وضع هذا الكم الهائل من الأجرام
السماوية في مداراتها المختلفة وبهذه السرعات الخيالية.
نظرية الكون
المنتفخ
وعلى
الرغم من أن نظرية الإنفجار العظيم قد رسمت صورة واضحة للطريقة التي نشأ بها هذا
الكون وتمكنت من حل كثير من ألغازه إلا أن
العلماء من خلال دراستهم للأحداث التي تمت
في الثانية الأولى من الانفجار اكتشفوا بعض الثغرات فيها. فقد فشلت النظرية في
التوفيق بين ما تمخضت عنه حسابات العلماء النظرية من نتائج حول ما جرى في تلك
اللحظات من عمر الكون وما هو موجود فعلا في الكون الحالي. ومن هذه المشاكل ما يسمى
بمشكلة مسافة الأفق (horizon distance) وهي المسافة التي قطعها
الضوء منذ لحظة الإنفجار العظيم حيث وجد العلماء أن حل معادلات النموذج التقليدي
للانفجار العظيم قد أظهرت أن نصف قطر الكون المشاهد يزيد عن مسافة الأفق هذه بشكل
كبير. أما المشكلة الثانية فهي مشكلة تتعلق بالتوزع المنتظم لمادة الكون في جميع
أرجائه والتي لم يجد العلماء تفسيرا مقنعا له حيث أن خللا طفيفا في مادة الكون في
اللحظات الأولى من الانفجار لا بد وأن يؤدي إلى كون غير منتظم على النطاق الواسع.
أما المشكلة الثالثة فتتعلق بما يسمى تسطح الكون (flat universe)
حيث أن الكون الحالي يبدو مسطحا وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت كتلة الكون
تساوي تماما الكتلة الحرجة (critical mass) التي تظهر في معادلات
النسبية العامة. أما المشكلة الرابعة فتتعلق ببعض الجسيمات الثقيلة كالأقطاب
المغناطيسية الأحادية (magnetic monopoles) والتي أظهرت الحسابات أن
الكون في لحظاته الأولى أنتج كميات كبيرة منها ولو أنها كانت موجودة بالفعل لما
كان الكون على الصورة التي هو عليها الآن إذا ما علمنا أن شدة المجال المغناطيسي
لكل قطب من هذه الأقطاب المغناطيسية الأحادية تعادل شدة المجال المغناطيسي للأرض
وأن كتلته تزيد برقم يساوي 10 مرفوع للأس 16 عن كتلة البروتون ولكن العلماء لم يعثروا
على أي منها في الكون المشاهد.
وللتغلب
على هذه الثغرات في نظرية الإنفجار العظيم بدأ العلماء بالبحث عن نماذج جديدة للطريقة التي تمت بها عملية الإنفجار الكوني علها تؤدي إلى نتائج
تجيب على مثل هذه التساؤلات. وفي عام 1979م تمكن أحد الفيزيائين الأمريكيين وهو
ألن كوث (Alan Guth) من معهد ماسوتشوتس
للتكنولوجيا باستخدام فيزياء الجسيمات الأولية من وضع نموذج جديد للإنفجار الكوني
أطلق عليه اسم الكون المنتفخ (The inflationary
universe) وقد تم نشر بحثه في عام 1981م في مجلة (Physical Review) بعنوان (الكون المنتفخ:
حل محتمل لمشكلتي الأفق والتسطح). وفي عام 1982م قام باحث آخر وهو الفيزيائي الروسي أندريه
لندي (Andrei Linde)
من إجراء بعض التعديلات على نظرية الكون المنتفخ وقام بنشر نتائج بحثه في مجلة (Letters
Physical)
بعنوان (سيناريو جديد للكون المنتفخ: حل محتمل لمشاكل الأفق والتجانس والتناظر
والقطب الأحادي الإبتدائي). وملخص
نظرية الكون المنتفخ هو أنه في خلال اللحظات الأولى من الانفجار العظيم ونتيجة
لحدوث ظاهرة فيزيائية غريبة يطلق عليها اسم التأثير النفقي (tunnel effect) بدأ الكون بالتمدد
بمعدلات أكبر بكثير من المعدلات التي نصت عليها نظرية الانفجار العظيم. ولقد أظهرت النتائج أن الكون قد ازداد حجمه خلال
أجزاء لا تذكر من الثانية (between 10−33 and 10−32 seconds) بمقدار يساوي الرقم 10 مرفوع للأس 50 وقد أدى هذا التضخم أو الإنتفاخ المذهل إلى ظهور
كون يخلو من التناقضات التي ظهرت في النموذج التقليدي للإنفجار العظيم والمتعلقة
بمشاكل الأفق والتجانس والتناظر والقطب الأحادي الإبتدائي. وفيما عدا هذه الفترة الزمنية البالغة القصر التي حدث فيها الإنتفاخ
المفاجئ لمادة الكون فإن النظرية الجدبدة تتفق مع النظرية القديمة تماما في طبيعة
الأحداث التي جرت في أرجاء ما يسمى بالكون المشاهد. إن الفرق الجوهري بين النموذج
التقليدي أو ما يسمى بالكون الحار ونموذج الكون المنتفخ هو أن النموذج التقليدي افترض أن الكون بدأ حارا
منذ لحظة انفجاره وأن الكرة النارية التي تمدد منها الكون كانت مملؤة بالجسيمات
الأولية ذات الطاقة الحركية البالغة العلو وبناءا على هذه الافتراضات اضطر العلماء
لوضع شروط ابتدائية كثيرة وصارمة جدا لكي يكون الكون على الصورة التي هو عليها
الآن. أما في نموذج الكون المنتفخ فقد تبين للعلماء أن التمدد المفاجئ للكون في
لحظاته الأولى قد أزال معظم الشروط الإبتدائية الصارمة ووجدوا كذلك أن الكون سيكون
على الحال الذي هو عليه الآن بغض النظر عن الشروط الإبتدائية التي يتطلبها حل
المعادلات الفيزيائية المتعلقة بعملية الانفجار. وعلى العكس من نموذج الكون الحار
فإن نموذج الكون المنتفخ قد أظهر أن الكون كان في لحظاته الأولى باردا جدا وكانت
جميع مادة وطاقة الكون كامنة في حالة أشبه ما تكون بالفراغ أو ما يسمى بالفراغ الزائف
(false vacuum ) والتي لا وجود فيها
للجسيمات الأولية وتغيب فيها كذلك جميع قوى الطبيعة الأربعة حيث أنها كانت موحدة
في قوة واحدة لا زال العلماء يجهلون الطريقة التي تعمل بها هذه القوى على مادة
الكون الأولى. وفي مثل هذه الحالة شبه الفارغة للمادة يمكن للكون أن يتمدد بدون أي مشكلة تذكر فلو أن
قوة الجاذبية قد ظهرت قبل هذا التمدد المفاجئ لما أمكن للكون أن ينفجر بسبب
جاذبيته البالغة العلو وحتى لو انفجر فإن مادته ستتطاير بشكل غير منتظم ولن يكون
الكون بهذا التجانس والتماثل المذهل والذي فشل نموذج الكون الحار في إثباته. وطبقا لنموذج الكون المنتفخ فإن هذه المادة
الصرفة الأشبه ما تكون بالفراغ قد تمددت بسرعات مذهلة تفوق بكثير سرعة الضوء
وعندما وصل حجمها لحجم حدي معين وكذلك كثافتها بدأت طاقتها الكامنة بالتحلل بشكل
منتظم في جميع أرجاء الكون آنذاك ليمتلئ الكون بالجسيمات الأولية والطاقة ويتحول
الكون من كون بارد إلى كون حار ومن ثم بدأت أحداثه تتم وفقا لنموذج الكون الحار
التقليدي.
ولم
يقتصر دور نظرية الكون المنتفخ على حل التناقضات الموجودة في نظرية الإنفجار
العظيم بل جاءت بنتائج مدهشة تدعم الصورة
التي رسمها القرآن الكريم عن هندسة
الكون. فقد بينت النتائج التي تمخضت عنها هذه النظرية أن التمدد المفاجئ للكون في
لحظاته الأولى قد أدى إلى ظهور مناطق مادية على شكل فقاعات يفصل بينها حواجز قوية (
Domain Walls) وقد شكلت كل فقاعة من
هذه الفقاعات كونا خاصا بها. وتؤكد النظرية بالنص على أن هذا الكون العظيم
المترامي الأطراف الذي نشاهده لا يشكل إلا جزءا يسيرا من هذه الأكوان التي لم
تستطع النظرية تحديد عددها. فلقد جاء في
مقدمة مقالة الكون المنتفخ المنشورة في مجلة العلوم الأمريكية عام 1991م ما نصه
بالإنكليزية (A new theory of cosmology suggests that the observable universe is
embedded in a much larger region of space that had an extraordinary growth
spurt a fraction of a second after the primordial big bang ) وترجمته بالعربية: (نظرية جديدة في علم الكون
تقترح أن الكون المشاهد مكنون في داخل منطقة كبيرة جدا من الفضاء الذي انبثق
بمعدل نمو استثنائي في بداية الثانية الأولى بعد الإنفجار العظيم). ومن المشاكل
التي تمكنت هذه النظرية الجديدة من حلها مشكلة الأقطاب المغناطيسية الأحادية
وأنواع أخرى من الجسيمات الثقيلة وقد جاء الحل داعما أيضا للصورة التي رسمها
القرآن الكريم عن بناء هذا الكون. فقد أظهرت نتائج النموذج التقليدي لنظرية
الانفجار العظيم أن الأقطاب المغناطيسية
الأحادية وبقية الجسيمات الثقيلة قد تولدت بكميات كبيرة في الكون في مراحل نشوءه
الأولى. ويقول العلماء أن وجود هذه الجسيمات الثقيلة وبهذه الكميات الكبيرة في
بداية نشوء الكون قد يمنع تكونه على الصورة التي هو عليها الآن ولهذا فإنهم لم
يعثروا على أي منها في هذا الكون المشاهد وهذه هي أحد مشاكل النموذج القديم. وفي
المقابل أظهرت نظرية الكون المنتفخ أن الأقطاب المغناطيسية الأحادية وبقية
الجسيمات الثقيلة قد تولدت بالفعل في اللحظات الأولى للانفجار ولكنها لحسن الحظ قد
تجمعت في الحواجز التي تفصل ما بين الأكوان
العديدة التي ظهرت نتيجة التمدد المفاجئ لمادة الكون الأولى.
لقد جاءت نظرية الكون المنتفخ لتؤكد حقيقة أخرى ذكرها
القرآن الكريم وجود أكوان أخرى
غير الكون الذي نشاهده بأعيننا أو تصل إليه مراصدنا وما يسميه العلماء بالكون
المشاهد. ولقد حدد القرآن الكريم عدد هذه الأكوان بسبعة أكوان وأطلق عليها اسم السموات السبع ولقد تكرر ذكر هذه السموات
في آيات كثيرة في القرآن الكريم تبين بعض خصائصها. وعلى عكس القرآن الكريم نجد أن
التوراة لم تذكر هذه السموات إلا في موضعين اثنين وذلك في الإصحاح الأول من سفر
التكوين دون أن تحدد عدد هذه السموات بل إن التوراة عندما جاءت على ذكر الأحداث التي
جرت في أيام الخلق الستة لم تأتي على ذكر إلا سماء واحدة فقط ( أنظر مقالة
"أيام الخلق في التوراة والقرآن"). لقد كشف القرآن الكريم في آيات أخرى
بعض خصائص هذه السموات السبع فذكر أولا أنها على شكل طبقات حيث تطبق كل سماء على
السماء التي دونها ولا يكون ذلك إلا إذا كانت هذه السموات على شكل كرات مجوفة كل
واحدة تحيط بالأخرى بحيث يكون مركز هذه الكرات هو المكان الذي حدث فيه الانفجار الكوني العظيم مصداقا لقوله تعالى "أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا" نوح 15 وقوله سبحانه "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ
الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ" الملك 3. ولقد وصف القرآن الكريم هذه السموات السبع بالشدة والمتانة وقد جاء هذا
الوصف مطابقا تماما لما اكتشفه العلماء في نظرية الكون المنتفخ وهي أن الحواجز بين
الأكوان المختلفة مكونة من أقطاب مغناطيسية أحادية القطبية وهي من أثقل الجسيمات وصدق
الله العظيم القائل "وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ
سَبْعًا شِدَادًا"
النبأ 12. إن هذه الأبنية الضخمة والتي يبلغ نصف قطر أصغرها وهي السماء الدنيا ما
يقرب من خمسة وأربعين بليون سنة ضوئية قد تم بناؤها في منتهى الإحكام بدون استخدام أعمدة تركتز عليها رغم ثقلها ورغم
ما تحمل فوقها من أثقال لا يعلم ماهيتها إلا الله وصدق الله العظيم القائل "اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي
لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ
رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ"
الرعد 2 والقائل سبحانه "تَكَادُ السَّمَوَاتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ"
الشورى 5 والقائل سبحانه "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا
مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" فاطر 41. ولقد أتى القرآن الكريم أيضا
على ذكر أجرام قد خلقها الله في هذا الكون وهي أكبر من السموات السبع ككرسي الرحمن
الذي يحوي في داخله هذه السموات السبع مصداقا لقوله تعالى "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"
البقرة 255. إن حجم هذا الكرسي وما يحويه من السموات السبع لا تكاد تذكر مع حجم
العرش الذي استوى عليه الرحمن سبحانه وتعالى فقال عز من قائل "قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" المؤمنون 86..
أبعاد الكون المشاهد
نظرا للأبعاد الهائلة التي
تفصل ما بين الأجرام السماوية في هذا الكون فقد استخدم
علماء الفلك وحدات جديدة لقياس هذه الأبعاد وهي إما السنة الضوئية (light year) أو الفرسخ الفلكي (Parsec). فالسنة
الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في السنة الأرضية والتي تساوي 9,46 ألف بليون
كيلو متر (9.46
× 1012 km) علما
بأن الضوء يقطع مسافة 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة. أما الفرسخ الفلكي
فيساوي 3,27 سنة ضوئية أو ما يعادل 31 ألف بليون كيلومتر تقريبا. فالقمر على سبيل المثال يبعد عن الأرض 1،3 ثانية ضوئية
أو ما يعادل 384 ألف كيلومتر والشمس تبعد
عن الأرض حوالي 8 دقائق وثلث ضوئية أو ما يعادل 150 مليون كيلومتر بينما يبعد أقرب النجوم إلي الأرض وهو النجم ألفا
سنتوريا (Alpha
Centauri) 4,23 سنة ضوئية أو 1,3 فرسخ فلكي أو ما يعادل 40
ألف بليون كيلو متر . أما أقرب المجرات إلينا فهي مجرة المرأة المسلسلة أو الأندروميدا (Andromeda) وهي تبعد 2,36 مليون سنة ضوئية أو ما يعادل 22
بليون بليون كيلومتر، ويبلغ قطر المجموعة الشمسية تسع ساعات ضوئية أو ما يعادل 10
بليون كيلومتر بينما يبلغ قطر مجرة درب التبانة مائة ألف سنة ضوئية أو ما يعادل
946 مليون بليون كيلومتر،
يقدر
العلماء قطر الكون المشاهد (visible
universe) وهو الكون الذي يمكن أن
تراه المراصد الفلكية بما يقرب من 92 بليون سنة ضوئية بينما يبلغ عمره 13,7 بليون
سنة, ويقدر العلماء بشكل
تقريبي عدد المجرات فيه بثلاثمائة بليون مجرة وتحتوي كل مجرة في المتوسط على مائة
بليون نجم وما يتبع هذه النجوم من كواكب وأقمار.
ويبلغ متوسط المسافة بين مجرتين متجاورتين 2,5مليون سنة ضوئية أو ما يعادل 23
بليون بليون كيلومتر أما متوسط المسافة
بين نجمين متجاورين فتبلغ في المتوسط
سنتين ضوئيتين أو ما يعادل 19 ألف بليون كيلومتر وأما المسافة بين الكواكب
المتجاورة فتقاس بعشرات الملايين من الكيلومترات. أما السرعات التي تتحرك بها هذه الأجرام في الفضاء فهي في غاية الضخامة
فعلى سبيل المثال فإن الأرض تدور حول الشمس بسرعة 108 آلاف كيلومتر في الساعة
والشمس تدور حول مركز المجرة يسرعة 800 ألف كيلومتر في الساعة أما مجرة درب
التبانة فتندفع في خط مستقيم بسرعة تزيد عن مليوني كيلومتر في الساعة. وعلى الرغم من هذه السرعات الخيالية إلا أننا
نعيش آمنين مطمئنين على سطح هذه الأرض التي نحسبها ثابتة لا تتحرك أبدا.
لقد
أشار القرآن الكريم إلى ضخامة هذا الكون
رغم أن البشر لا يمكنهم إدراك هذه الضخامة
بالنظر المجرد من على سطح
الأرض وحتى لو أتحيت لهم الفرصة
للسفر في هذا الكون فلن يمكنهم الوصول إلا
لكواكب المجموعة الشمسية. وفي قول الله تعالى
"فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ
تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ" الواقعة 75-76
إشارة واضحة إلى ضخامة هذا الكون فالبشر
لا يمكنهم إدراك عظمة القسم بمواقع النجوم إلا إذا علموا فعلا بالمسافات
التي تفصل بين هذه النجوم وها نحن في هذا العصر
ندرك عظمة هذا القسم بعد أن شاء الله أن نحيط بشيء من علمه حول أبعاد
الكون. وللتدليل أيضا على ضخامة هذا الكون
تحدى الله عز وجل البشر بأنهم لن يستطيعوا الخروج من داخل هذا الكون إلى خارجه وذلك
في قوله تعالى "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا
مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا
بِسُلْطَانٍ (33)" الرحمن
وفي هذه الآية نبوءة قرآنية من أن البشر سيحاولون في المستقبل السفر في أرجاء هذا
الكون وهذا ما تم بالفعل في هذا العصر. أما
الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو ذر الغفاري
أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكرسي، فقال رسول الله: « والذي نفسي بيده ما السموات السبع
والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي
كفضل الفلاة على تلك الحلقة» سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني. وإذا ما
استخدمنا نفس التشبيه في هذا الحديث على أبعاد الكون المشاهد فإن الشمس وما حولها
من كواكب كحلقة في فلاة إذا ما قيست بالنجوم المحيطة بها فأقرب نجم إلى الشمس يبعد
عنا 40 ألف بليون كيلو متر ومجرة درب التبانة بما
فيها من مائة بليون نجم كحلقة في فلاة بالنسبة للمجرات المحيطة بها فأقرب مجرة
إلينا تقع على بعد 23 بليون
بليون كيلومتر وهكذا هو الحال مع السماء الأولى مع
السماء الثانية إلى أن ننتهي إلى العرش الذي استوى عليه الرحمن عز وجل وحاشاه من
التمثيل والتشبيه القائل سبحانه "وما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ" الزمر 67. ولقد تبين لنا بعد الاكتشاف العلمية الحديثة في مجال
الفلك أنه لا يوجد أيّ مبالغة في الصورة التي حاولت الأيات القرآنية والأحاديث
النبوية أن تعطيها لحجم هذا الكون. وللتدليل على ضخامة هذا الكون فقد أشار القرآن
الكريم إلى أن سفر بعض مخلوقات الله كالملائكة عبر هذه السموات يحتاج إلى آلاف
السنين رغم أن سرعة حركتها عالية جدا كما في قوله تعالى "يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ
إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ" السجدة
5 وقوله تعالى "تَعْرُجُ
الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ" المعارج 4.
النجوم : نشأتها وأنواعها
تكونت النجوم بعد أن برد
الكون إلى ما دون عشرة آلاف درجة كلفن وذلك بعد مرور ما يقرب من نصف مليون سنة حيث
بدأت الإلكترونات بالارتباط بالبروتونات لتملأ الكون بسحابة من ذرات الهيدروجين والهيليوم
والنيوترونات ومختلف أنواع الإشعاعات . لقد بقي الكون حتى هذه اللحظة متجانسا أيّ
أن هذه السحابة كانت تتوزع على جميع أنحاء الكون بنفس الكثافة ولكن في لحظة ما
بدأت كثافة مادة الكون بالاختلال لسبب لم يجد له العلماء تفسيرا مقنعا وتكونت
نتيجة لهذا الاختلال مراكز جذب موزعة في جميع أنحاء الكون وبدأت قوة الجاذبية تلعب
دورها بجذب مزيد من الهيدروجين المحيط بهذه المراكز إليها منشئة بذلك سحب ضخمة من
الهيدروجين تدور حول نفسها على شكل دومات. ومن ثم بدأت هذه السحب الهيدروجينية
الضخمة تنهار على نفسها بفعل الجاذبية (gravitational collapse) ويتقلص حجمها وكذلك تزداد سرعة دورانها حول نفسها
وذلك للحفاظ على طاقتها الحركية الكلية وأصبح شكلها كالقرص عند أطرافها وكالكرة
عند مركزها. وعندما وصل حجم الكرة المركزية إلى حجم معين ونتيجة للضغط الهائل على
الهيدروجين الموجود في مراكزها ارتفعت درجة حرارته إلى ما يزيد عن ثلاثة ملايين
درجة وهو الحد اللازم لبدء عملية الاندماج
النووي (Nuclear fusion) بين ذرات الهيدروجين منتجة بذلك ذرات الهيليوم
بالإضافة إلى كميات كبيرة من الطاقة فتكون بذلك نجما مشعا في مركز السحابة.
تتحدد مواصفات النجم
وطول عمره والمراحل التي يمر بها أثناء حياته على كتلته الإبتدائية وذلك حسب كمية
الهيدروجين الذي سحبته من الفضاء الكوني المحيط به. وقد قسم العلماء النجوم إلى
ثلاثة أقسام تبعا لكتلتها الإبتدائية وهي النجوم صغيرة الكتلة (small-mass stars) وتتراوح
كتلتها بين عشر إلى نصف كتلة الشمس والنجوم متوسطة الكتلة (intermediate-mass stars) وتتراوح
كتلتها بين نصف إلى ثمانية أضعاف كتلة الشمس ومن الواضح أن شمسنا من هذا النوع والنجوم
عالية الكتلة (high-mass stars) وهي التي تزيد كتلتها عن ثمانية أضعاف كتلة الشمس. أما
إذا قلت كتلة النجم عن عشر كتلة الشمس فإن ضغط ودرجة حرارته باطنه لا تكفي لإشعال
فتيل التفاعل النووي في داخله ويطلق إسم الأقزام البنية (brown dwarfs) على مثل هذه
النجوم غير المشعة. وفي النجوم صغيرة الكتلة يكون معدل حرق الهيدروجين قليل جدا
بسبب إنخفاض درجة حرارة باطنها مما يعني أن عمرها طويل جدا قد يزيد عن مائة بليون
سنة وتشع كذلك ضوءا أحمر بسبب تدني درجة حرارة سطحها ولذلك تسمى بالأقزام الحمراء
(red dwarfs). إن مثل هذه
النجوم لا يمكنها أن تحرق إلا الهيدروجين وعند نفاذه فإنها تنطفأ وتنكمش على نفسها
لتتحول إلى أقزام بيضاء (white dwarfs) ومن ثم إلى
أقزام سوداء(black dwarfs).
أما
النجوم متوسطة الكتلة فتبدأ حياتها كنجم أولي (protostar) يستغرق تكونه ما يقرب من مائة ألف سنة ولا تزيد
درجة حرارة سطحه عن أربعة آلاف درجة مئوية وبعد إشتعال التفاعل النووي في باطنه
يمر النجم في مرحلة إنتقالية غير مستقرة لمدة عشرة ملايين سنة يتمدد خلال النجم
ويتقلص بشكل دوري إلى أن يصل إلى حالته المستقرة ويسمى النجم في هذه المرحلة
بالنجم (T-Tori star). وعندما يدخل النجم في مرحلة الإستقرار يسمى بالنجم الإعتيادي (main-sequence
star) ويبقى في
هذه الحالة طالما يوجد في داخله من الهيدروجين ما يكفي للحفاظ على عملية الإندماج
النووي وإنتاج الحرارة اللازمة لمنعه من الإنهيار . ويتحدد عمر النجم من مقدار
كتلته بالنسبة لكتلة الشمس فكلما زادت نقص عمره فالشمس على سبيل المثال يقدر عمرها
بعشرة بلايين سنة. وعندما تقل كمية الهيدروجين
في باطن النجم عن حد معين ينهار النجم بشكل مفاجيء ويتقلص حجمه وتزداد درجة
حرارته إلى ما يزيد عن مائة مليون درجة وهو الحد اللازم لبدء عملية الإندماج النووي للهيليوم لينتج بذلك الكربون والأوكسجين. وبسبب
الحرارة العالية التي تنتجها عملية الإندماج النووي للهيليوم يتمدد النجم بشكل كبير ويزداد حجمه وتقل درجة
حرارة سطحه لتعطي ضوءا أحمرا ولهذا يطلق على النجم في هذه المرحلة بالعملاق الأحمر
(red giant). وبعد نفاد الهيليوم تتوقف عملية الإندماج النووي وينهار النجم
مرة أخرى بشكل عنيف بسبب كبر حجمه فترتفع درجة حرارة باطنه بشكل كبير ولكن ليس للحد الذي يمكنه من حرق عناصر مما
يؤدي إلى إنفجاره وقذف معظم طبقاته الخارجية إلى الفضاء بينما يتحول ما تبقى منه
إلى قزم أبيض ومن ثم إلى قزم أسود.
أما
النجوم عالية الكتلة فتبدأ حياتها أيضا كنجم أولي (protostar) يستغرق تكونه ما بين عشرة آلاف ومائة ألف سنة
ومن ثم تتحول إلى نجم إعتيادي ولكن بعمر أقصر من النجوم متوسطة الكتلة بسبب المعدلات
العالية لحرق الهيدروجين وبقية العناصر. وهذه النجوم بسبب إرتفاع درجة حرارة
باطنها قادرة على حرق الهيدروجين وكذلك الهيليوم في عملية الإندماج النووي وتنتج
كميات هائلة من الطاقة مما يرفع من درجة حرارة سطحها ليشع ضوء أميل إلى الأزرق
ويزيد شدة لمعانها ما بين ألف ومليون مرة عن لمعان النجوم متوسطة الكتلة وذلك حسب
كتلتها. وعندما ينفد مخزون هذه النجوم من الهيدروجين والهيليوم تنهار بشكل مفاجيء
وترتفع درجة حرارة باطنها إلى ما يزيد عن 700 مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق
الكربون لينتج النيون والأوكسجين
والصوديوم والمغنيسيوم. وعند نفاد قلب النجم من الكربون ينهار مرة أخرى وترتفع
درجة حرارة باطنه إلى ما يزيد عن ألف ومائتي مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق
النيون لينتج المغنيسيوم والأوكسجين. وعند نفاد قلب النجم من النيون ينهار مرة أخرى وترتفع
درجة حرارة باطنه إلى ما يزيد عن ألف وخمسمائة مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق
الأوكسجين الذي ينتج السيليكون والفوسفور والكبريت. وعند نفاد قلب النجم من الأوكسجين ينهار مرة
أخرى وترتفع درجة حرارة باطنه إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق
السيليكون لينتج الحديد والنيكل والكوبلت والكروم والكالسيوم والزنك والتيتانيوم.
وأثناء حرق السيليكون في قلب النجم يتم حرق ما تبقى من الأوكسجين والنيون والكربون
والهيليوم والهيدروجين في الطبقات العليا وذلك حسب شدة درجة الحرارة. وبسبب الحرارة الهائلة التي تنتج عن الحرق
النووي لهذه العناصر يبدأ النجم بالتمدد بشكل رهيب ويشع ضوءا أحمرا ولذا يسمى
النجم في هذه المرحلة بالعملاق الأحمر الفائق (red supergiant).
إن
الحرق النووي للعناصر الآنفة الذكر ينتج
في النهاية عنصر الحديد وهو عنصر في غاية
الإستقرار ولا يمكن أن يحرق نوويا رغم أن
درجة حرارة باطن النجم قد تصل إلى عشرة بلايين
درجة ولهذا فهو أعلى عنصر يمكن تصنيعه من خلال الإندماج النووي. ومن الجدير بالذكر أن العناصر الأعلى من الحديد
يتم تصنيعها في خارج النجوم من خلال ما يسمى بالإمساك النيوتروني (neutron
capture) وفيه تقوم
العناصر الخفيفة بالإمساك
بالنيوترونات المتوفرة بكثرة في الكون
فتتحول إلى نظائر (isotopes) وعند تحلل هذه النظائر تتحول إلى العناصر الثقيلة المختلفة. إن
الحديد الناتج عن الإندماجات النووية يبدأ بالتراكم في باطن النجوم بسبب كثافته
العالية وبعد نفاد جميع العناصر القابلة للحرق
النووي في داخل العملاق الفائق يبدأ بالإنهيار فترتفع درجة حرارة باطنه
المكون من الحديد إلى مئات الملايين من الدرجات. إن الحالة التي سيصبح عليها النجم
بعد هذا الإنهيار يتوقف على مقدار كتلة القلب الحديدي له فإذا بلغت كتلة القلب واحد ونصف كتلة الشمس فإن القلب
الحديدي سينهار على نفسه وترتفع درجة حرارته إلى عشرة بلايين درجة وعندها ستتحلل
ذرات الحديد إلى نيوترونات وإشعاعات مختلفة وبسبب غياب التنافر بين النيوترونات
يتقلص حجم القلب بشكل مفاجيء بحيث يصبح قطره أقل من عشرة كيلومترات ولكنه يعود
فيتمدد بشكل مفاجيء ليرسل موجة صدم (shock
wave) في أنحاء
النجم فتفجره تفجيرا رهيبا لتقذف بمكوناته في الفضاء الخارجي ويسمى النجم في مثل
هذه الحالة بالمستعر الأعظم (supernova). أما إذا زادت كتلة
القلب الحديدي عن واحد ونصف كتلة الشمس
ولم تتجاوز ثلاثة أضعافها فإنه سينهار ويتحول إلى قلب من النيوترونات دون أن
ينفجر ويسمى النجم في هذه الحالة بالنجم
النيوتروني (neutron star) والذي لا يتجاوز قطره عدة عشرات من الكيلومترات بينما قد يبلغ
وزنه مئات الكتل الشمسية. أما إذا
زادت كتلة القلب الحديدي عن ثلاثة أضعاف
كتلة الشمس فإن القلب سيتحول أولا إلى قلب نيوتروني ثم ينهار القلب النيتروني بسبب شدة الجاذبية ليتحول إلى
ثقب أسود (black hole).
خصائص النجوم
على الرغم من البعد الهائل الذي يفصلنا عن نجوم هذا الكون إلا أن علماء
الفلك والفيزياء قد تمكنوا من معرفة كثير من خصائصها الفيزيائية والكيميائية وذلك
من خلال النظر إليها بالتلسكوبات أو من خلال دراسة الضوء الذي يصل منها إلى الأرض
بمختلف أنواع الأجهزة كالمطياف الضوئي (Spectroscope). ومن أهم هذه الخصائص بعد النجم عن الأرض وكتلته
وحجمه وكثافته وعمره ولونه ودرجة حرارة باطنه وسطحه ودرجة لمعانه (Brightness) وشدة إضاءته (luminosity) ونوع الإشعاعات الصادرة منه وشدة مجاله المغناطيسي وسرعة دورانه
حول محوره وسرعته في مداراته المختلفة وعدد النجوم المرافقة له وكذلك تركيبه
الكيميائي أو ما يسمى بمعدنيته (metallicity) ونوع التفاعلات النووية
التي تجري في داخله. فمن حيث بعد النجم عن الأرض فيتراوح بين 4,23 سنة ضوئية أو ما يعادل 40
ألف بليون كيلو متر وهو النجم ألفا سنتوريا (Alpha Centauri) الذي هو أقرب
النجوم إلى
الأرض ويقع في نفس مجرتنا و وما يزيد عن 13 بليون
سنة ضوئية. ومن حيث الكتلة
فتتراوح بين عشر كتلة الشمس البالغة ألفي مليون بليون
بليون طن (2 × 1030 kg) كما في الأقزام الحمراء (red dwarfs) إلى مائتين
وخمسين ضعف كتلة الشمس كما في المستعرات العظمى. أما
أحجام النجوم فتتراوح أقطارها (diameter) بين عشرات الكيلومترات للنجوم النيوترونية (neutron star) رغم أن كتلتها تزيد بعشرات المرات عن كتلة الشمس و
ألف وسبعمائة ضعف قطر الشمس للنجوم فوق العملاقة (supergiant)
علما بأن قطر الشمس يبلغ مليون وأربعمائة ألف كيلومتر وهذا يعني أن حجم أكبر النجوم قد يزيد بخمسة بلايين مرة عن حجم الشمس لأن
الحجم يتناسب مع مكعب القطر. أما كثافة مادة النجم فتتراوح بين أجزاء من الميكروغرام
لكل سنتيمتر مكعب في النجوم الضخمة وخمسمائة مليون طن لكل سنتيمتر مكعب في النجوم
النيوترونية. وأما العمر بالسنين فيتراوح بين عدة ملايين للنجوم عالية الكتلة
وعشرات البلايين للنجوم قليلة الكتلة بسبب إنخفاض معدل إستهلاكها للوقود النووي.
أما لون الضوء المرئي للنجم كما نشاهده من الأرض فيعتمد على درجة حرارة سطحه حيث
يبدأ من الأحمر عند ثلاثة آلاف درجة مرورا
بالأصفر عند ستة آلاف درجة وينتهي بالأزرق
عند ثلاثين ألف درجة علما بأن شمسنا من النوع الأصفر. أما درجة حرارة باطن النجم
فتتراوح بين ثلاثة ملايين درجة كما في الأقزام الحمراء وثلاثين بليون درجة كما في
النجوم النيوترونية. وأما
درجة اللمعان الظاهري للنجم (apparent brightness) وهو مقياس لشدة الضوء كما يقاس من الأرض فيستخدم
فيه نظام الإتساع (amplitude
system). وأما شدة إضاءة
النجم (luminosity) فهو مقياس لكمية الطاقة التي يشعها في الثانية
الواحدة فالشمس تشع ما مقداره 400 بليون بليون ميجاوات وهناك نجوم يزيد إشعاعها بعشرة
ملايين مرة عن إشعاع الشمس. ومن حيث عدد
النجوم المترافقة فهناك النجوم المفردة كالشمس والنجوم المزدوجة (Binary Stars) والنجوم المتعددة (Multiple Stars) والنجوم المزدوجة والمتعددة تدور في مدار
واحد أو أكثر حول مركز ثقلها. وأما من حيث معدنيته وهي مقياس لكمية العناصر الطبيعية
الموجودة فيه فالنجوم التي تكونت في أول نشأة الكون تحتوي على الهيدروجين
والهيليوم بشكل رئيسي أما النجوم التي تكونت حديثا فتحتوي على معظم العناصر
الطبيعية بنسب متفاوته حيث أن النجوم القديمة قامت بتصنيعها من خلال الإندماج
النووي ومن ثم قذفتها إلى الفضاء بعد إنفجارها وموتها.
ولا
بد أخيرا من ذكر أحجام وكتل وأبعاد وشدة
إشعاع بعض أكبر النجوم اللامعة في
السماء فنجم الشعرى اليمانية (Sirius) الذي هو ألمع نجوم السماء يتكون من نجمين الأكبر
منهما يزيد حجمه بخمسة مرات عن
حجم الشمس وتبلغ كتلته ضعف كتلة الشمس ويبعد عنا 8,6 سنة ضوئية وشدة إشعاعه تزيد بخمس وعشرين مرة عن إشعاع الشمس. وأما نجم الدبران (Aldebaran)
فهو نجم عملاق يزيد حجمه بمائة ألف مرة عن حجم الشمس وتبلغ كتلته
1,7 ضعف كتلة الشمس ويبعد عنا 65 سنة ضوئية وشدة إشعاعه تزيد بخمسمائة مرة عن إشعاع الشمس. وأما قلب العقرب (Antares) فهو عملاق أحمر فائق يزيد حجمه بسبعمائة مليون مرة عن حجم الشمس وتبلغ كتلته
عشرة أضعاف كتلة الشمس ويبعد عنا ستمائة سنة ضوئية وشدة إشعاعه تزيد بستين ألف مرة عن إشعاع الشمس. وأما نجم منكب الجوزاءBetslgeuse) ) فهو أيضا عملاق أحمر فائق يزيد حجمه ببليون مرة عن
حجم الشمس وتبلغ كتلته 15 ضعف كتلة الشمس ويبعد عنا 650 سنة ضوئية وشدة إشعاعه
تزيد بمائة ألف مرة عن إشعاع الشمس. وأما أضخم النجوم المكتشفة
فهو النجم (UY Scuti) فيزيد
حجمه بخمسة بلايين مرة عن حجم الشمس وتبلغ كتلته 32 كتلة الشمس ويبعد عنا 7800 سنة ضوئية وشدة
إشعاعه تزيد 340 ألف مرة عن إشعاع الشمس. وأما أثقل النجوم فهو النجم (R136a1) إذ تبلغ كتلته 265 كتلة الشمس ويزيد حجمه بأربعين ألف مرة
عن حجم الشمس ويبعد عنا 165 ألف سنة ضوئية وشدة إشعاعه تزيد بتسعة ملايين مرة عن
إشعاع الشمس وهو النجم الأشد إشعاعا. وأما أبعد النجوم فهو النجم (UDFj-39546284) إذ يبعد 13.42 بليون سنة ضوئية عن الأرض.
النجوم النيوترونية
لقد ذكرنا سابقا أن الثقوب السوداء تتكون في داخل
النجوم العملاقة الفائقة إذا زادت كتلة قلبه الحديدي عن واحد ونصف كتلة الشمس ولم
تتجاوز ثلاثة أضعافها حيث ينهار النجم على نفسه ويتحول إلى قلب من النيوترونات محاطة
بطبقة من الحديد ويسمى النجم في هذه الحالة بالنجم النيوتروني (neutron
star) والذي لا
يتجاوز قطره العشرين كيلومتر. وكما هو
واضح من إسم هذا النجم فإنه يتكون من النيوترونات فقط وهي جسيمات عديمة
الشحنة ولذا فهي تتراص مع بعضها البعض بشكل كبير لسبب غياب قوة التنافر بينها ولذا
فإن نجما بكتلة تبلغ ثلاثة أضعاف كتلة الشمس وبحجم يزيد بآلاف المرات عن حجم الشمس
يتحول إلى جرم بقطر لا يتجاوز العشرين كيلومتر ولكن بكثافة قد تصل إلى خمسمائة مليون طن لكل سنتيمتر مكعب. وتقدر درجة حرارة
سطح النجم النيوتروني بستمائة ألف درجة كلفن وهذه الدرجة أعلى بكثير من درجة حرارة
أي من أنواع النجوم الأخرى والتي لا تتجاوز خمسين ألف درجة ولهذا فإن الضوء الصادر
عنها له لون أبيض. وبسبب صغر حجمها وكبر كتلتها فإن جاذبيتها عند سطحها تزيد بمائة
بليون مرة عن جاذبية الأرض ويحتاج أي جسم للإفلات منها إلى سرعة هروب (escape velocity) تبلغ مائة ألف كيلومتر في الثانية مقارنة بينما
تبلغ سرعة هروب الأجسام من الأرض ما يقرب من 11 كيلومتر في الثانية.
إن النجوم النيوترونية تدور حول محورها بسرعات خيالية
تتراوح بين عشرات الدورات في الثانية وما يقرب من سبعمائة دورة في الثانية وذلك
للحفاظ على الزخم الزاوي للنجم الأصلي بينما لا تتجاوز سرعة دوران النجوم العادية
عدة عشرات دورة في الثانية. وعندما نحول سرعة الدوران هذه إلى سرعة السطح الخطية
فإنها قد تصل إلى 75 ألف كيلومتر في الثانية أي ربع سرعة الضوء ولا يمكن لأي نجم
غير النجم النيوتروني أن يتحمل مثل هذه السرعات الهائلة حيث أنه سيتفتت ويتناثر في
الفضاء بسبب قوة الطرد المركزي. وقد تم
إكتشاف ما يقرب من ألفي نجم نيوتروني في مجرة درب التبانة وأقربها إلينا على بعد
أربعمائة سنة ضوئية. وتطلق بعض النجوم النيوترونية التي تدور بسرعات عالية نبضات راديوية بشكل منتظم وذلك بسبب وجود مجال
مغناطيسي قوي حولها وتسمى هذه النجوم بالنوابض (pulsars)أو النجوم النابضة (pulsating stars). ويتراوح معدل عدد النبضات التي تطلقها هذه النجوم
بين عدة نبضات في الثانية إلى ما يقرب من سبعمائة نبضة في الثانية وذلك حسب سرعة
دوران النجم. وقد تم استخدام بعض النجوم النابضة كساعات طبيعية دقيقة قد تصل دقتها
إلى دقة الساعات الذرية كما في النجم (PSR J0437-4715) الذي يرسل نبضات بمعدل 174 نبضة في الثانية تقريبا.
الثقوب السوداء
لقد
ذكرنا آنفا أن الثقوب السوداء تتكون في داخل النجوم العملاقة الفائقة إذا ما زادت
كتلة القلب الحديدي فيها عن ثلاثة أضعاف كتلة الشمس حيث يتحول القلب أولا إلى قلب
نيوتروني ثم ينهار القلب النيوتروني بسبب
شدة الجاذبية ليتحول إلى ثقب أسود (stellar mass black holes). وإذا كان قطر النجم النيوتروني لا يتجاوز العشرين كيلومتر رغم
أن كتلته قد تصل لثلاثة أضعاف كتلة الشمس فإن قطر الثقب الأسود سيؤول إلى الصفر
بينما كتلته تزيد بثلاثة أضعاف عن كتلة
الشمس وهذا يعني أن كثافته ستؤول إلى مالانهاية. وعلى هذا فإن جاذبية الثقب الأسود
ستصبح لانهائية وله القدرة على جذب والتهام
الأجسام التي تقع ضمن أفقه (black hole's horizon) وتحطيمها وتحويلها إلى
نفس حالة المادة التي يتكون منها والتي في الأغلب هي نفس حالة المادة في بداية
الإنفجار العظيم (gravitational singularity). وببدأ الثقب
الأسود حياته كثقب أسود نجمي تتراوح كتلته بين ثلاثة أضعاف
و عشرين ضعف كتلة الشمس ثم يتحول بسبب إلتهامه للأجرام المحيطة به إلى ثقب أسود متوسط الكتلة تتراوح كتلته ما بين مائة وعشرة آلاف كتلة
الشمس ثم يتحول إلى ثقب أسود فائق الكتلة (supermassive black holes) قد تصل كتلته إلى بليون كتلة شمسية. وغالبا ما توجد الثقوب السوداء
في مراكز المجرات ويستدل عليها من خلال دراسة طبيعة حركة النجوم التي تدور حولها
وكذلك إنحراف مسار الضوء الذي يمر قريبا
منها. وبسبب الجاذبية اللانهائية للثقوب السوداء فإنه يستحيل حتى على الضوء
الإفلات منها ولذا فهي لا تطلق أي نوع من الإشعاعات وبالتالي لا يمكن رؤيتها وتبدو
كمنطقة سوداء في الفضاء خالية من أي مادة مرئية ولذا أطلق عليها اسم الثقوب
السوداء. إن الثقوب السوداء تعمل
كمكانس كونية لا يمكن رؤيتها وعندما تتحرك فإنها تبتلع كل ما تصادفه في طريقها من
أجرام. ومن العجيب أن علماء الفيزياء
يحاولون تصنيع ثقوب سوداء في معاملهم وهم يعلمون أنهم لو نجحوا في ذلك لما أمكنهم
السيطرة عليها وستبتلع كل ما حولها بما فيها الأرض فهي كالنار التي تبدأ من شرارة
ثم تكبر بشكل هائل إذا ما توفر لها ما تأكله.
وقد تكون هذه الثقوب السوداء هي المقصودة في قوله
تعالى "فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) "
التكوير فهذه المخلوقات التي أقسم الله بها للتدليل على عظمة خلقها تتصف بالخنوس
دلالة على خفائها وبالجري دلالة على حركتها في هذا الكون وبالكنس دلالة على شفطها
لأي مادة تقع ضمن جاذبيتها والله أعلم. وأما
الحديث الشريف الذي يؤكد وجود هذه الثقوب السوداء القادرة على إلتهام النجوم
والمجرات فقد ذكره القرطبي عند تفسير سورة فصلت عند هذه الآية " فقال لها وللأرض
إئتيا طوعا أو كرها " ففي حديث ذكره الثعلبي: إن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب لو أن السموات والأرض حين قلت
لهما " ائتيا طوعا أو كرها " عصياك ما كنت صانعا بهما ؟ قال كنت آمر دابة من دوابي
فتبتلعهما. قال: يا رب وأين تلك
الدابة ؟ قال: في مرج من مروجي. قال: يا رب وأين ذلك المرج ؟ قال علم من علمي..))ا.ه. فهذا الحديث يؤكد بشكل
واضح على وجود مثل هذه الثقوب السوداء في
أرجاء هذا الكون والتي شبهها الله عز وجل بالدواب فهي تأكل مادة الكون كما تأكل
الدواب العشب في مروج الأرض وما مروج الله عز وجل إلا هذه المجرات وعناقيد المجرات.ـ ولقد
ربط الحديث معرفة مكان المرج بعلم الله عز وجل للتأكيد على أن معرفة طبيعة هذه
المروج لا تتم إلا من خلال العلم ولقد شاء الله عز وجل أن يحيط البشر في هذا العصر
ببعض علمه ليريهم بعض آياته في هذا الكون.
الكوازارات أو أشباه النجوم
الكوازارات أو أشباه
النجوم ( Quasars or quasi-stellar
radio sources) هي أجرام سماوية تشع كميات
ضخمة من الضوء والأمواج الكهرومغناطيسية وأشعة إكس وعند تحليل طبيعة الإشعاعات
القادمة منها وجد العلماء أنها تختلف عن إشعاعات النجوم العادية مما ينفي أن تكون
نجوما ولذا أطلقوا عليها إسم أشباه النجوم. ولقد تبين للعلماء أن شبه النجم هو
عبارة عن سحب كثيقة وحارة تحيط بثقب أسود فائق الكتلة يقع في قلب بعض المجرات
وتستمد طاقتها من التصادمات العنيفة الناتجة بين النجوم التي يبتلعها هذا الثقب
الأسود العملاق. وتعتبر أشباه النجوم أشد الأجرام السماوية ضياءا حيث يفوق شدة
إشعاع بعضها أربعة آلاف بليون ضعف إشعاع الشمس ولكنها تبدو خافتة جدا لبعدها عن
الأرض وتقدر كتلة الواحد منها بمائة مليون
ضعف كتلة الشمس. وعند قياس مقدار الإنزياح الأحمر لأشباه النجوم وجدوا أن معظمها يبتعد
بسرعات عالية عن الأرض مما يعني أنها موجودة في مجرات بدأت بالتشكل عند بداية نشأة
الكون أو ما يطلق عليها مجرات نشطة (active galactic nuclei).
لقد أشار القرآن الكريم إلى بعض
أنواع هذه النجوم كما في قوله سبحانه "وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا
الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) " الطارق وقوله سبحانه "فَلَا
أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) "
التكوير وقوله
تعالى "وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)" النجم. وبغض النظر عن نوع النجوم التي
تتحدث عنها هذه الآيات إلا أنها تؤكد على وجود أنواع مختلفة من النجوم في هذا
الكون وأنها عظيمة الشأن وما قسم الله بها وهو خالقها إلا للفت أنظار البشر إلى
عظم شأنها وعجيب صنعها. وأشار القرآن
كذلك إلى أن هذه النجوم لها نهاية رغم عمرها الطويل الذي يقاس ببلايين السنين وليس
كما كان يظن البشر من أنها أزلية كما في قوله تعالى "إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ
(3)" التكوير وقوله تعالى "إِذَا
السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا
الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)" الانفطار وقوله تعالى"فَإِذَا
النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ
نُسِفَتْ (10)" المرسلات8 وقوله
تعالى "فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)" القيامة وقوله تعالى " فَإِذَا
انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) " الرحمن وقوله تعالى "وَالنَّجْمِ
إِذَا هَوَى (1)" النجم وقوله تعالى "يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ
مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)" الطور. إن المصطلحات التي استخدمتها هذه الآيات
كالتكوير والإنكدار والطمس والإنفراج والإنتثار والإنشقاق والهوي والمور والجمع في وصف أحوال النجوم تدل دلالة
واضحة على الأحداث التي تجري في النجوم عند نفاد وقودها فالتكوير هو إنهيار النجم
على نفسه والإنكدار هو تغير حال النجم إما بالتمدد أو بالإنفجار والطمس هو إنطفاء
النجم وتوقف إشعاعه والإنفراج هو تدع في بنية هذا الكون والإنتثار هو تطاير الكواكب وخروجها من مداراتها عند موت نجومها.
المجرات
تتكون المجرة من تجمع
هائل من النجوم والغبار والغازات والمادة المظلمة تدور حول مركز مشترك يقع في
قلب المجرة والذي غالبا ما يكون ثقبا أسودا عملاقا. وتوجد عدة نظريات
للطريقة التي تكونت بها المجرات وأكثرها قبولا والمسماة
من الأعلى إلى الأسفل (top-down theory) هي التي تقول
أن إختلالات غير منتظمة (anisotropic irregularities) قد حصلت في مادة الكون المكونة من الهيدروجين
والهيليوم والمادة السوداء والتي كان متجانسة آنذاك فتحول الكون إلى عدد هائل من السحب الضخمة
التي بدأ كل منها بالدوران حول نفسها
وبدأت بالإنكماش وتزداد سرعة دورانها حول نفسها لتكون ما يسمى بالمجرات الأولية (protogalaxies). وفي داخل
كل واحدة من هذه المجرات الأولية حصلت إختلالات في أرجائها لتكون سحب غازية
بمختلف الأحجام والتي تحول كل منها إلى
نجم كما شرحنا ذلك في طريقة تكون النجوم. أما النظرية الثانية لطريقة نشوء المجرات وهي المسماة من
الأسفل إلى الأعلى (down-up theory) فهو أن النجوم ومجاميع
النجوم قد ظهرت أولا ثم حصلت إختلالات أدت إلى تجاذب النجوم المتجاورة وبدأت تدور
حول مركز مشترك لها وهو مركز المجرة. ويقدر العلماء بشكل تقريبي عدد المجرات في
الكون المشاهد بثلاثمائة بليون مجرة
وتحتوي كل مجرة في المتوسط على مائة بليون نجم وما يتبع هذا النجم من كواكب وأقمار
. ويبلغ متوسط المسافة بين مجرتين
متجاورتين 25 بليون بليون كيلومتر أو ما يعادل 2.5 مليون سنة ضوئية.وفي الغالب لا
توجد المجرات بشكل منفرد بل توجد على شكل مجموعات مكونة من عشرات المجرات ومن ثم
تتجمع المجموعات على شكل العناقيد المجرية
(Galaxy clusters) والتي تحتوي على مجرات
يتراوح عددها بين خمسين وألف مجرة ثم تتجمع العناقيد على شكل العناقيد المجرية
الفائقة (superclusters) والتي
تحتوي على عشرات أو مئات العناقيد المجرية. وعلى سبيل المثال فإن مجرة درب التبانة
تقع ضمن المجموعة المحلية (local
group) والتي تتكون من 54 مجرة
ويبلغ قطرها عشرة ملايين سنة ضوئية وهذه المجموعة تقع بدورها ضمن العنقود
المجري (Virgo cluster) والذي يتكون من مائة
مجموعة وهذا بدوره يقع ضمن العنقود المجري الفائق (Virgo supercluster) الذي يتكون من مائة
عنقود وبقطر يبلغ مائة مليون سنة ضوئية.
وقد تم تصنيف المجرات تبعا لحجمها أو شكلها فمن
حيث الحجم فإن أحجامها تتراوح بين المجرات
القزمة (dwarf galaxies) التي لا يتعدى عدد النجوم
فيها عشرة ملايين نجم ولا يتجاوز قطرها عدة
آلاف سنة ضوئية وما بين المجرات العملاقة (giant galaxies) التي تحتوي على أكثر من مائة ألف بليون نجم وقد يصل
قطرها إلى ثلاثة ملايين سنة ضوئية. وتعتبر مجرة درب التبانة أو اللبانة (milky way) من المجرات المتوسطة
الحجم إذ يقدر عدد النجوم فيها بمائتي بليون نجم ويبلغ قطرها مائة ألف سنة ضوئية
بينما تقدر كتلتها بستمائة بليون كتلة الشمس . وأما من حيث الشكل فقد
تم تصنيفها إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي المجرات الإهليلجية أو البيضاوية (elliptical galaxies) والمجرات الحلزونية أو اللولبية (Spiral galaxies) والمجرات غير المنتظمة أو الغريبة (irregular galaxies). فالمجرات البيضاوية لها شكل بيضاوي بمعامل
لامركزية (eccentricity or ellipticity)
أو إستطالة (elongation) مختلف حيث يتراوح شكلها بين الشكل الكروي والشكل
البيضاوي الكبير الإستطالة . وهذا النوع
من المجرات لها أحجام كبيرة وتحتوي على نجوم قديمة ومعمرة تدور حول مركز المجرة بمدارات عشوائية في مختلف
الإتجاهات وتحتوي على سحب سديمية (Nebula)
خفيفة ولا تحتوي نجومها على العناصر
الثقيلة وغالبا ما توجد في مراكز عناقيد
المجرات وتشكل ما نسبته أربعين بالمائة من مجرات الكون ومن أمثلتها المجرة (IC 1101) وهي أضخم مجرة في الكون المشاهد وتبعد عن الأرض
بليون سنة ضوئية وتحتوي على مائة ترليون نجم ويبلغ قطرها ثلاثة ملايين سنة ضوئية.
أما المجرات الحلزونية فهي على شكل قرص (disc-shaped)
بتبعج في وسطه (bulge) وتخرج من أطراف هذا التبعج عدة
أذرع (arms) على شكل لولب (spiral). وهذا النوع من المجرات لها أحجام متوسطة وتحتوي
على نجوم قديمة في قلبها ونجوم حديثة في أذرعها
وتدور حول مركز المجرة بمدارات تقع في نفس المستوى تقريبا وتشكل ما نسبته
أربعين بالمائة من مجرات الكون ومن أمثلتها مجرتنا درب التبانة. وأما المجرات غير المنتظمة فكما هو واضح من
إسمها لها أشكال غير منتظمة وتحتوي على سحب كثيفة ونجوم زرقاء وتشكل ما نسبته
عشرين بالمائة من مجرات الكون ومن أمثلتها مجرتي ماجلان الكبرى والصغرى (Magellanic Clouds). ويعتقد العلماء أن المجرات
تبدأ حياتها كمجرات بيضاوية ثم تتحول إلى مجرات لولبية ومن ثم إلى مجرات غير منتظمة
بفعل الجاذبية بين نجومها.
الخيوط المجرية
لقد اكتشف العلماء مع نهاية القرن
العشرين أن عناقيد المجرات الفائقة (galaxy superclusters)
ليست موزعة بشكل منتظم في الفضاء بل تتجمع على شكل خيوط (filaments) تاركة ورائها مناطق خالية من المجرات أو ما يسمى
بالفجوات (voids) وهي أضخم ما تم إكتشافه من أجرام
سماوية. وتظهر هذه الخيوط والفجوات للناظر
إليها من الأرض على شكل شبكة الصيد أو بيت العنكبوت وقد أطلق عليها العلماء أسماء
مختلفة كالخيوط المجرية (galaxy
filaments) وهو الأشهر وتجمعات العناقيد
الفائقة (supercluster complexes) والجدر العظيمة
(great walls) وكذلك الجاذبات
العظيمة (great attractors). وعلى
الرغم من أنها تبدو للناظر إليها كالخيوط في صفحة السماء إلا أنها في غاية الضخامة
إذ قد يصل طول الخيط أو الجدار إلى ما يقرب من ألف مليون سنة ضوئية وقد يصل عرضه
لمائتي مليون سنة ضوئية أما ارتفاعه فقد يصل إلى عشرين سنة ضوئية. وغالبا ما يوجد
عند رأسي الخيط عناقيد مجرية فائقة بينما يتكون بقية الخيط من عناقيد مجرية عادية.
ومن أعظم الخيوط المجرية ذلك المسمى بالجدار العظيم (CfA2 Great Wall)
حيث يبلغ طوله 825 مليون سنة ضوئية وعرضه 250 سنة ضوئية وارتفاعه 20 سنة ضوئية.
وقد يكون في قوله تعالى " وَالسَّمَاءِ ذَاتِ
الْحُبُكِ (7)" الذاريات إشارة إلى مثل هذه الخيوط المجرية فالحبك كلمة ترتبط بنسج
الخيوط ولذا تبدو هذه الخيوط في السماء كالنسيج المحبوك.
لقد أشار القرآن
الكريم إلى مثل هذه الأنواع من المجرات في
قوله تعالى " وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)
"
البروج وقوله تعالى " وَلَقَدْ جَعَلْنَا
فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) " الحجر وقوله
تعالى "تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ
بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)" الفرقان وقوله
تعالى " وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)" الذاريات وقوله
تعالى " وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) " الطارق. وللتدليل
على عظمة خلق أجرام السماء أكد القرآن الكريم على أن التعقيد في خلقها أكبر من
تعقيد خلق الناس على ما في خلقهم من تعقيد وذلك في قوله تعالى "أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ
سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)"
النازعات وقوله تعالى"لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)"
غافر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق