ومن
كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \جامعة العلوم والتكنولوجيا
الأردنية
لقد أشار القرآن الكريم
قبل أربعة عشر قرنا إلى ظاهرة بالغة الأهمية تلعب دورا رئيسيا في إحداث هذا التنوع الهائل في
أشكال الكائنات الحية ألا وهي ظاهرة الزوجية وذلك في قوله تعالى "وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ
خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)" الذاريات. ولقد عقب الله سبحانه وتعالى عند ذكره لظاهرة
الزوجية في الآية السابقة بأن من يتأمل
فيها ويكتشف أسرارها وخاصة الدور الذي تلعبه في بناء هذا الكون العجيب لا بد وأن
تذكره بأن لهذا الكون خالقا لا حدود لعلمه وقدرته. وسنقتصر في هذه المقالة على
دراسة ظاهرة الزوجية في الكائنات الحية والدور الذي تلعبه في إحداث هذا التنوع الهائل
في أشكالها وألوانها. إن في ظاهرة الزوجية في الكائنات الحية من الأسرار والألغاز ومن
معجزات الخلق التي إذا ما تدبرها أي عاقل فإنه لا مناص له من التسليم بأن هذه
الظاهرة لا يمكن أن تصمم إلا من قبل خالق لا حدود لعلمه وقدرته. بل إن هذه الظاهرة
تدحض بكل قوة فرية أن الصدفة هي من تقف وراء هذا التنوع الهائل في أشكال الكائنات
الحية وذلك لأن الشروط اللازمة لنجاح عمل هذه الظاهرة من الكثرة والتعقيد بحيث
يستحيل أن تجتمع بطريق الصدفة. لقد أكد الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم على أنه
قد خلق من كل نوع من أنواع الثمرات زوجين اثنين وذلك في قوله سبحانه "وَهُوَ
الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ
الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)" الرعد. وما ينطبق على الثمرات
ينطبق على جميع أنواع الكائنات الحية من نباتات وحيوانات من حيث أن الله قد خلق
زوجين اثنين من كل نوع منها مصداقا لقوله تعالى "فَاطِرُ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ
أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ (11)"
وكذلك لدخولها في عموم قوله تعالى "وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ
خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)" الذاريات.
إن ظاهرة الزوجية في
الكائنات الحية إنّما خلقها الله سبحانه
وتعالى لحكمة عظيمة قل من يلتفت إليها وهو إحداث هذا التنوع الهائل في أشكال
وألوان نفس النوع من الكائنات الحية مصداقا لقوله
تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ
بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ
وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى
اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)" فاطر. ولولا ظاهرة الزوجية التي أبدعها الله لما فيه مصلحة البشر
لما تمكن البشر من التلذذ بمذاق عشرات بل مئات الأصناف من شتى أنواع الثمرات ومن التمتع
بالنظر إلى أشكال مختلف أنواع الحيوانات وخاصة الأنعام مصداقا لقوله تعالى "يُنْبِتُ
لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ
الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)" النحل وقوله تعالى "وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا
لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا
جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى
بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ
لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا
وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" . ولولا ظاهرة الزوجية لكان أفراد البشر على صورة
واحدة ولما أمكنهم التعرف على بعضهم البعض ولما عرفوا معنى الجمال في أشكال
أجسامهم وصدق الله العظيم القائل "هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ
فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(6)" آل عمران. وإن أول ما يتبادر إلى ذهن المتفكر في
ظاهرة الزوجية في الكائنات الحية هو وجود زوجين من كل نوع منها أحدهما ذكر والآخر
أنثى ولو أمعن المتفكر في تفكيره لاكتشف أن ظاهرة الذكورة والأنوثة ما هي إلا
الآلية التي أبدعها الله عز وجل للوصول للهدف المنشود وهو إحداث هذا التنوع في
أشكال الكائنات الحية. وسنبين في هذه المقالة أن تصنيع الكائنات الحية ابتداء من
خلية واحدة يتطلب ثلاث مستويات من التزاوج أولها وأبسطها التزاوج بين الذكر
والأنثى وثانيها التزاوج بين خلية الحيوان المنوي التي ينتجها الذكر وخلية البويضة
التي تنتتجها الأنثى أما ثالثها وأعقدها فهو التزاوج بين الكروموسومات الذكرية والكروموسومات
الأنثوية. وسنبين أيضا أن عمليات التزاوج بكل مستوياتها فيها من التعقيد البالغ
بحيث أن فرص نجاحها تكاد تكون معدومة بالمقاييس البشرية ولكن الذي أبدعها سبحانه
وتعالى قد أحكم تصميمها بحيث أنها تعمل بنسبة نجاح قد تصل إلى مائة بالمائة وكيف
لا ونحن نرى ملايين البلايين من الكائنات الحية تولد كل يوم ومن النادر أن نجد عيبا
في بنية أجسامها رغم ما في تركيب أعضائها من تعقيد.
إن هذا التنوع في أشكال الكائنات الحية لن يتحقق
إلا من خلال طريقة التكاثر الجنسية والتي تتطلب وجود كائنين اثنين بدلا من كائن واحد وتتم عملية تصنيع الكائن
الجديد بحيث ينتج كل منهما خلية تحمل برنامج تصنيع كامل بمواصفات الكائن الذي
أنتجها ولكن لا يمكن لأي منهما تنفيذ برنامج التصنيع الذي في داخلها بمفرده. ولكن
بمجرد دمج برنامجي التصنيع الموجودين في الخليتين في نواة إحداهما فإن الخلية
المركبة أو الملقحة تبدأ بتنفيذ برنامج تصنيع الكائن إذا ما توفرت لها الظروف
المناسبة. ولكي تحقق طريقة التكاثر الهدف الذي صممت من أجله وهو زيادة التنوع في
أشكال الكائنات الحية فعلى
برنامج التصنيع الموحد أن يأخذ تعليمات تصنيع الأجزاء المختلفة للكائن من البرنامجين بحيث تكون بعض مواصفات الكائن
الجديد مأخوذة من الكائن الذكر والبعض الآخر مأخوذ من الكائن الأنثى. وهذا التنوع أيضا
لن يتحقق إلا بوجود اختلاف في برنامجي التصنيع المأخوذين من الذكر والأنثى مما
يعني أن مواصفات جسم أول ذكر وجسم أول أنثى انحدر منهما كل نوع من أنواع الكائنات
الحية لا بد وأن تكون مختلفة وإلا لما استدعى الأمر اختراع مثل هذه الطريقة
البالغة التعقيد للتكاثر. فعلى سبيل المثال فإن برنامج تصنيع كل فرد من أفراد
البشر هو مزيج من تعليمات التصنيع المأخوذة من برنامجي تصنيع أبينا آدم وأمنا حواء
عليهما السلام وقد يظن البعض وهم يرون هذا التنوع الهائل في أشكال البشر بحيث لا
تجد فردا منهم يشبه الآخر أن هنالك برامج للتصنيع بعدد أفراد البشر. وهذا ليس
بصحيح فهذا التنوع إنّما هو ناتج عن العدد الهائل من التوافيق التي تنتج عن اختيار
صفات كل جزء من أجزاء جسم الإنسان من برنامجي التصنيع التي أودعهما الله في جينات آدم
وحواء عليهما
السلام.
أما المشكلة الثانية والأعوص
والتي ستظهر عندما يتم تنفيذ طريقة التكاثر هذه فهي حاجتها إلى ثلاث مستويات من
التزاوج أولها وأبسطها نسبيا التزاوج بين الذكر والأنثى وثانيها التزاوج بين
الخلية الذكرية (الحيوان المنوي) والخلية الأنثوية (البويضة) وثالثهما التزاوج بين
الكروموسومات الذكرية والأنثوية. إن أول أنواع التزاوج يتطلب تصميم أجهزة تناسلية في كل من الذكر
والأنثى قادرة على إنتاج خلايا التكاثر وبحيث يتوافق تركيب كل منهما مع الآخر
ليقوما بالوظيفة التي صمما من أجلها على أكمل وجه. وللقارئ أن يحكم بنفسه إن كان باستطاعة الصدفة أن تكتب
برامج لتصنيع ملايين الأشكال من أجهزة التناسل الذكرية والأنثوية في ملايين
الأنواع من الكائنات بحيث تكون أجهزة التناسل الذكرية متوافقة تمام التوافق مع
أجهزة التناسل الأنثوية في كل منها. إن وجود أجهزة تناسل متوافقة في كل من الذكر
والأنثى قادرة على إنتاج خلايا التكاثر لن تجدي نفعا في غياب آلية تجبر الذكر
والأنثى للتزاوج في الوقت المناسب لجمع خليتي التكاثر في حيز واحد. إن البشر لا
زالوا يقفون عاجزين حتى اليوم عن زرع
الشهوة في بعض أفراد بني جنسهم إذا ما فقدوها لسبب ما على الرغم من أنهم تمكنوا من
معرفة الهرمونات المسؤولة عن إثارة الشهوة الجنسية لديهم. إن الدارس لطرق تكاثر الحيوانات يجد أن الذي
قام باختراع طريقة التكاثر هذه قد كتب برامج معقدة أودعها جينات هذه الحيوانات
بحيث تضمن تزاوجها وتكاثرها بالأعداد المطلوبة مما يحول دون انقراضها. بل إن الإنسان لتأخذه الدهشة ويعجب كل العجب
عندما يرى عمليات تزاوج حيوانات كبيرة كالفيلة والجمال والزرافات وحيوانات صغيرة
كالسلاحف والأفاعي وغيرها بعد أن كان يظن أن هذا من الصعوبة بمكان. ويمكن أن ندرك
مدى التعقيد الموجود في برامج التكاثر هذه عندما نشاهد الطيور في فصل الربيع وهي
تصنع أعشاشها وفقا لمواصفات محددة ومن ثم تتزاوج وتضع بيضها ومن ثم ترقد عليه
لفترات زمنية محددة بحيث يفقس في الوقت المناسب من السنة حيث تتوفر
الظروف المناسبة لنمو صغار هذه الطيور. وندرك ذلك عندما نعلم أن كل نوع من أنواع
الحشرات التي تعد بمئات الآلاف تقوم
الأنثى فيها بإفراز مواد كيميائية بكميات في غاية الضآلة فيستطيع الذكر على بعد
عدة كيلومترات من التقاط عدة جزيئات من هذه المواد بأجهزة في غاية الحساسية فيتحرك
نحو مكان الأنثى لغرض التزاوج ولكي لا تختلط الأمور على الحشرات فإن كل نوع من هذه
الحشرات يفرز رائحة خاصة به. إن جميع الإجراءات
التي تقوم بها ذكور وإناث مختلف أنواع الكائنات الحية لإتمام عملية تكاثرها إنّما هي مخزنة كبرامج مكتوبة في
جيناتها وعند توفر الظروف المناسبة للتكاثر تعطى إشارة البدء لتنفيذ هذا
البرنامج ابتداء من إنتاج خلايا التكاثر
ومن ثم التزاوج وحضانة البيضة الملقحة وأخيرا رعاية صغار هذه الكائنات إلى أن تصبح
قادرة على رعاية نفسها بنفسها فسبحان القائل "قَالَ رَبُّنَا
الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)" طه.
لقد تمكن علماء
الأحياء خلال القرنيين الماضيين من تأكيد
حقيقة وجود زوجين فقط من برامج تصنيع جميع أنواع الكائنات الحية التي تتكاثر
بالتزاوج حيث اكتشفوا أن برنامج تصنيع كل نوع منها يحتوي على نوعين فقط من الجينات
لهما نفس الوظيفة العامة إلا
أنه يوجد بعض الاختلاف في تركيبهما والذي يؤدي إلى اختلاف في أشكال بعض مواصفات
الكائن المنتج. فقد لاحظ عالم النبات النمساوي جريجور مندل في منتصف القرن التاسع
عشر بعد أن قام بسلسلة من عمليات التهجين لبعض
أنواع النباتات أن أشكال وألوان معظم أجزاء النباتات تتحدد من صفتين تتناقلها هذه النباتات في جيناتها أحدهما صفة
سائدة (dominant trait)
والأخرى صفة متنحية (recessive
trait). وقد لاحظ أنه إذا ما
اجتمعت صفة سائدة وأخرى متنحية في برنامج التصنيع النهائي للكائن الجديد فإن الصفة
السائدة هي التي ستظهر في بنية جسمه ولا تظهر الصفة المتنحية إلا عند اجتماع صفتين
متنحيتين في برنامج تصنيعه.
ولقد أكد علماء الأحياء فيما بعد وجود الصفات السائدة
والمتنحية في برامج تصنيع جميع أنواع الكائنات الحية التي تتكاثر بالتزاوج بما
فيها الإنسان. وعلى هذا فإن كل زوج من الكروموسومات يتكون من كروموسوم ذكري وأخر
أنثوي لهما نفس الطول تماما ويحملان نفس العدد من الجينات وكل جين ذكري يقابله جين
أنثوي له نفس الطول تماما. وفي الغالب تكون معظم الجينات الذكرية ونظائرها
الأنثوية الموجودة على الكروموسومات لها نفس المحتوى من الشيفرات الوراثية ولكن
يوجد بعض الجينات تكون فيها الشيفرات مختلفة لغرض تغيير بعض صفات الكائن لإحداث
التنوع المنشود. ومن السهل أن نستنج أن الجينات التي يوجد فيها اختلاف لا يمكن أن تأتي إلا على صورتين أحدهما سائدة والأخرى
متنحية وذلك لأنه لا خلاف بين علماء الأحياء على أن جميع أفراد النوع الواحد قد
انحدرت من زوجين فقط وهما الذكر الأنثى وكما أكد على ذلك القرآن الكريم في قوله
تعالى "وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45)" النجم وقوله تعالى "هُوَ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا (189)" الأعراف وقوله
تعالى "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا
سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ
نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِأُولِي النُّهَى (54)"
طه.
لقد ذكرنا في مقالات
سابقة أن معجزة المعجزات في عملية تصنيع الكائنات الحية أن يقوم شريط بالغ الضعف
يقبع في نواة الخلية بإعطاء الأوامر بحيث يحول خلية وحيدة إلى كائنات حية بمختلف
الأشكال والألوان لا زال البشر يقفون عاجزين عن كشف أسرار تركيب أجسامها. ويزداد الإعجاز
في هذه المعجزة عند تصنيع أجسام الكائنات
الحية التي تتكاثر بالتزاوج حيث يتولى شريطان وراثيان إعطاء الأوامر لإتمام عملية
التصنيع ولولا لطف الله وحسن تدبيره لوقعت الطامة ولتشوهت أجسام الكائنات المصنعة بسبب
صدور الأوامر عن شريطين بدلا من شريط واحد ولكن في المقابل نجد أن هذين الشريطين
يتعاونان بشكل منقطع النظير لإنتاج أصناف لا حصر لها من نفس النوع من الكائنات لما
فيه فائدة البشر والذين للأسف لا يقدرون الله حق قدره ولا يشكرونه حق شكره. وقبل
أن نشرح الفكرة البسيطة التي أبدعها الله لتنسيق عمل الشريطين لا
بد من مراجعة سريعة
لتركيب الشريط الوراثي والطريقة المجملة التي يعمل من خلالها لتصنيع الكائنات.
يتكون الشريط الوراثي
من سلسلتين جانبيتين مبنيتين من نوعين من الجزيئات أحدهما من السكر والأخرى من
الفوسفات يتم ربطهما بشكل متعاقب ومن ثم
يتم ربط الأحرف الوراثية بين السلسلتين على مسافات محددة وذلك على شكل درجات
السلم. وتتكون كل درجة من حرفين وراثيين يرتبطان بجزيئات السكر الموجودة على
السلسلتين ويرتبطان كذلك ببعضهما البعض عند منتصف الدرجة وتبلغ المسافة الفاصلة
بين كل درجة من درجاته ثلث نانومتر فقط أيّ أن السنتيمتر الواحد من هذا الشريط
يحتوي على ما يقرب من ثلاثين مليون حرف وراثي. إن الشيفرات الوراثية في جميع
الكائنات الحية مكتوبة بنفس نوع الأحرف التي يبلغ عددها أربعة أحرف فقط تم تمثيلها
بأربعة أنواع من الجزيئات العضوية أما طول الشيفرة فيبلغ ثلاثة أحرف فقط.
ولكي يتم وضع هذه الأشرطة الطويلة والدقيقة في داخل نواة الخلية التي لا يتجاوز
قطرها عدة ميكرومترات فلا بد من طيها مئات
الآلاف من المرات ومن
البدهي أن لا يتم لف هذا الأشرطة بطريقة اعتباطية وإلا لتشابكت أجزاؤها ولما تمكنت
هذه الأشرطة من القيام بمهامها حيث
أن كل جزء منها يحتوي على معلومات وراثية محددة
مسؤولة عن وظيفة محددة في عملية تصنيع جسم الكائن. إن العقل ليتصدع إذا ما أراد
أن يفكر في الطريقة التي يمكن بها لف هذا الأشرطة الطويلة والضعيفة ووضعها في نواة
بالغة الصغر وبحيث يمكن الوصول لكل شيفرة من الشيفرات مع التذكير أنه لا يوجد من
يلفها. إن هذه الأشرطة قد لفت نفسها بنفسها بطريقة لا مجال للخطأ فيها عند قراءة
المعلومات المكتوبة عليها وإلا
لما كان بالإمكان تصنيع ملايين الكائنات الحية كل يوم تطلع فيه الشمس بنفس مواصفات
أصولها. ولقد أصيب العلماء بدهشة كبيرة عندما اكتشفوا أن هذه الأشرطة قد تم لفها
بطريقة بالغة الذكاء على سطوح كرات بروتينية
تتجمع لتكون أسطوانات يصل قطر الواحدة منها ثلاثين نانومتر ولا يتجاوز
طولها الميكرومتر الواحد وقد يصل عدد لفات الشريط على الأسطوانة الواحدة مائة ألف
لفة ويطلق العلماء اسم الكروموسومات على هذه الأشرطة الملفوفة حول هذه الأسطوانات.
وبالإضافة إلى هذا فإن هذه الطريقة في اللف تسهل عملية إنتاج نسخ جديدة عن هذا
الشريط لوضعها في الخلايا الجديدة حيث أن عملية النسخ هذه تتكرر بلايين
المرات في فترة عمر الكائن الحي.
وعلى الرغم من اكتشاف
العلماء لبعض الآليات التي ينفذ بها الشريط الوراثي برامجه عند تصنيعه الكائنات
الحية إلا أن عملية تحول خلية واحدة من تلقاء نفسها إلى كائن حي يحتوي جسمه على
بلايين الخلايا تبقى معجزة المعجزات التي ستصدع رؤوس العلماء في محاولاتهم لكشف
أسرارها. إن تصنيع أجسام الكائنات الحية يحتاج إلى مئات الآلاف من التصاميم والرسومات الهندسية التي
تبين الأشكال والأبعاد الثلاثية والتراكيب الداخلية لكل عضو من أعضاء الكائن الحي
إلى جانب تحديد مختلف أنواع التفاعلات الكيميائية التي ستجري في داخلها. وبما أنه
لا يوجد قوة خارجية تقوم بحمل الخلايا ووضعها في الأماكن المخصصة لها في جسم
الكائن كما يفعل البشر عند تصنيع أشيائهم فإن هذه المهمة تقع على عاتق الخلية الأم
وما تنتجه من خلايا أثناء عملية الانقسام المتكررة. ويقع على عاتق الخلية الأولى
تحديد عدد الانقسامات التي ستلزم لإنتاج جميع الخلايا التي يحتاجها بناء جسم
الكائن وبما أنها ستختفي بمجرد انقسامها إلى خليتين جديدتين فإن عدد الانقسامات
التي ستجريها كل من هاتين الخليتين يجب أن يكون مسجل في داخلها ومع تكرار عمليات
الانقسام يجب أن يوجد مؤشر في داخل كل خلية من الخلايا الناتجة يحدد عدد
الانقسامات التي ستجريها في المستقبل. وعلى عاتق الخلية الأولى كذلك قبل أن تنقسم
أن تحدد المهام التي ستقوم بها الخليتان الناتجتان عنها وهاتان بدورهما يجب أن تقوما
بتحديد مهام الخلايا الأربع التي ستنتج عن انقسامهما وهكذا يتم توزيع المهام على
بقية الخلايا التي ستنتج عن الانقسام المتكرر للخلية الأولى. ومن الواضح أنه بعد
حدوث عدد معين من الانقسامات تبدأ الخلايا بتنفيذ مهامها المختلفة فخلية واحدة فقط
ستتولى تصنيع الهيكل العظمي وثانية للجهاز
العضلي وثالثة للجهاز العصبي وكذلك هو الحال مع بقية أجهزة الجسم كالجهاز الدوري
والهضمي والجلدي والبصري والسمعي والتناسلي. وبما أن هذه الخلايا تتلقى أوامر
انقسامها من شريط الحامض النووي الذي في داخلها فهذا يستلزم أن تقوم كل خلية من
هذه الخلايا بتنفيذ جزء محدد من برنامج تصنيع الكائن المخزن في الشريط الوراثي
الكلي. إن برنامج التصنيع الكلي مكون من عدد كبير من البرامج الأصغر حجماﹰ يتكفل
كل واحد منها بتصنيع جزء معين من جسم الكائن وهذه البرامج الصغيرة بدورها مكونة من
عدة برامج أصغر مسؤولة عن تصنيع مكونات هذه الأجزاء. أما المشكلة العويصة في عملية
التصنيع هذه فهي في طريقة ترتيب هذه البرامج في داخل البرنامج الرئيسي بحيث يتم
تنفيذ هذه البرامج وفقاﹰ للخطة التي سيتم بها تصنيع جسم الكائن وبحيث
تضع أجزاء الجسم المختلفة في الأماكن المخصصة لها أولا بأول. وبما أن كل خلية من
خلايا الجسم المراد تصنيعه تقوم بتنفيذ جزء البرنامج الخاص بها حسب موقعها من
الجسم وبشكل مستقل عن بقية الخلايا فإن هذا يتطلب أن تكون الأوامر الصادرة عنها في
كل لحظة من لحظات تصنيع الكائن على درجة عالية من التنسيق والتزامن ليظهر الكائن
الحي بالشكل المطلوب. وبما أنه لا يوجد أيّ نظام تحكم مركزي يعمل على التنسيق بين
الخلايا أثناء انقسامها لتصنيع الكائن فإن عملية التنسيق هذه تتم بشكل غير مباشر
بين الخلايا من خلال الأوامر التي تصدرها أشرطتها الوراثية بشكل مستقل ولكن بتزامن
منقطع النظير.
وبعد هذه المقدمة لطريقة عمل الشريط الوراثي عند قيامه بتصنيع أجسام
الكائنات الحية بتقدير وهدي من الله سبحانه وتعالى نعود لشرح الطريقة التي يمكن
لشريطين وراثيين أن يتعاونا لتصنيع كائنات حية بحيث تحافظ الكائنات الناتجة على الصفات
العامة للنوع الواحد ولكنها تسمح بوجود بعض الفوارق في أشكالها وألوانها وبعض
خصائصها. إن أول شرط لضمان نجاح هذه الطريقة في التصنيع هو أن يكون البرنامجان
الموجودان على الشريطين متماثلين تمام التماثل من حيث الطول وعدد الجينات وهيكلهما
العام. أما الشرط الثاني فهو أن يكون لكل جين على الشريط الذكري جين مناظر على
الشريط الأنثوي له نفس الطول أي أن عدد الشيفرات متساويا ويقومان بنفس المهمة إلا
أنه قد يوجد بعض الاختلاف في محتوى الشيفرات بحيث يكون ناتج التصنيع مختلفا بعض
الشيء في مواصفاته. أما الشرط الثالث فهو أنه في حالة وجود اختلاف بين محتويات
الجينيين المتناظرين فإن أحدهما يعطى الأولية على الآخر عند تنفيذ البرنامج وهذا
ما أسماه علماء الأحياء بالجين السائد أو المسيطر بينما سمى الآخر بالجين المتنحي
أو المنحسر. أما الشرط الرابع فإنه عند استبدال الجينات السائدة بالمتنحية أو
العكس فإن عمل البرنامج لن يتأثر أبدا ولكن مواصفات الشيء المنتج ستتحدد من نوع
الجينات المستخدمة. أما الشرط الأخير فهو أن يكون الشريطان موجودين جنب إلى جنب
بحيث تكون الجينات المتناظرة أقرب ما تكون لبعضها ولهذا السبب نجد أن الكروموسومات
الذكرية والأنثوية مرتبطة ببعضها عند منتصفها. ومما يدل على صرامة هذه الشروط هو
استحالة حدوث التكاثر بين فردين من نوعين
مختلفين وإذا ما حدث مثل هذا بين نوعين شديدي القرابة فإن الكائنات الناتجة تكون
في الغالب عقيمة كما نشاهد ذلك في البغال التي تنتج من تزاوج الخيل والحمير. وهذا
يعني أن وجود اختلاف مهما كان بسيطا في تركيب الكروموسومات الذكرية والأنثوية
سيحول دون اتحادهما وبالتالي فشل تنفيذ برنامج تصنيع الكائن الجديد.
إن أول هذه الشروط قد
تم ضمانه منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى
أول زوجين من كل نوع من أنواع الكائنات
الحية التي تتكاثر بالتزاوج فقد أودع الله عز وجل شريطين وراثيان في خلايا كل من
الذكر والأنثى وهما متماثلان تمام التماثل باستثناء وجود جينات سائدة وأخرى متنحية
في كل منهما. ولا يجب أن يفهم أن الجين السائد ينتج صفات أفضل من تلك التي للجين
المتنحي فعلى سبيل المثال فالجين المسؤول عن اللون البني في عيون البشر هو جين
سائد بينما المسؤول عن اللون الأزرق جين متنحي. إن منتهى الإبداع في طريقة الخلق
هذه أن برنامجي التصنيع يتم خلطهما عند كل عملية تزاوج بين الذكر والأنثى وتتبادل
الجينات السائدة والمتنحية أماكنهما في البرنامجين ولكن تبقى البرامج تعمل بكل
كفاءة وتنتج كائنات لا يصيب أعضائها أي خلل وتحافظ على المظهر العام للكائن رغم
التغيير الحاصل في بعض صفاته. فعلى الرغم من أن عدد أنواع الكائنات الحية يعد
بالملايين ويوجد في كل نوع من هذه الأنواع أعداد متفاوتة من الأصناف إلا أنه لا
يمكن أن يشتبه الأمر على الإنسان فلا يستطيع التفريق بين هذه الأنواع أو أنه ينسب
الأصناف إلى غير أنواعها. ومما يؤكد على أن برنامج تصنيع الكائن الجديد لا يأخذ
مواصفات الأعضاء التي يقوم بتصنيعها من
برنامجي أبيه وأمه بطريقة عشوائية هو أن الأعضاء الناتجة تقوم بوظائفها على أكمل
وجه رغم اختلاف أشكالها الخارجية. فعلى
سبيل المثال فإن العين في جميع أفراد
البشر لها نفس التركيب والأبعاد لكي تتم عملية الرؤيا على أكمل وجه مما يعني أن
الجينات الموجودة في برنامج تصنيع العين هي نفسها سواء أخذت من برنامج الذكر أو
برنامج الأنثى وإذا سمح بوجود جينات سائدة ومتنحية فإنها تتعلق فقط بالمكونات التي
لا تؤثر على نظام الرؤيا كلون القزحية أو شكل الجفون أو الرموش وكذلك هو الحال مع
بقية الأعضاء.
ومما يؤكد على أن
الجينات السائدة والمتنحية التي تم إدخالها في برامج تصنيع الكائنات الحية قد كتبت
من لدن عليم خبير هو وضوح الهدف الذي عملت من أجله في مختلف أنواع الكائنات الحية.
ولو أن الصدفة كانت هي المسؤولة عن خلق
هذه الكائنات كما يدعي الملحدون لكان يكفيها تصنيع هذه الملايين من أنواع الكائنات
التي لا تجد على الإطلاق كائنا يشبه الأخر في شكله وتركيبه وطرق معيشته ولتجنبت
عناء اختراع طريقة التكاثر بالتزاوج والتي ما صممت أصلا إلا لغرض التفريق بين
أفراد النوع الواحد. وكذلك فإنه لا يوجد أي مصلحة للصدفة في وجود أصناف متعددة في
النوع الواحد بل إن هذه الطريقة للتكاثر قد تكون سببا في إعاقة عملية تطور
الكائنات على فرض أنها قد تمت حسب الطريقة
التي يزعمها علماء التطور. ولكن الذي قام
بإبداع هذه الطريقة للتكاثر يعلم علم
اليقين أنه سيكون من بين هذه الكائنات الحية كائن عاقل وهو الإنسان لديه القدرة
على التمييز بين أشكال هذه الكائنات وأنه سيستفيد من هذا التنوع في الكائنات. بل
إن مما يزيد اليقين بأن هذه الطريقة للتكاثر قد تم اختراعها من قبل خالق لا
حدود لعلمه وقدرته أن الإنسان قد تمت
برمجة جينات أبويه آدم وحواء بحيث يندر أن يتشابه فردان من نسلهما في الشكل على
الرغم من الأعداد الهائلة التي أنتجاها على مدى آلاف السنين.
ومن العجيب أن معظم
الاختلافات الشكلية في تركيب جسم الإنسان قد تم حصرها في الأجزاء الظاهرة من الجسم
وهي الوجه الذي يتعرف الناس من خلاله على بعضهم البعض والرأس وما يكسوه من شعر
وأصابع اليدان والرجلان. ومما
يبعث على العجب أيضا أنه على الرغم من أن وجه الإنسان يحتوي على عدد محدد من
الأجزاء وهي الأنف والذقن والجبهة والعينان والشفتان والخدان والوجنتان والصدغان
إلا أنه يستحيل أن يتطابق فردان في شكل وجهيهما. بل الأغرب من ذلك أن تجد أجزاء
صغيرة من جسم الإنسان كبصمة الإصبع وقزحية العين يوجد على سطحها من الرسومات
الخطية بحيث يستحيل أن تتطابق في أيّ فردين من أفراد البشر. وقد يشك البعض في حقيقة
وجود زوجين فقط من الجينات السائدة والمتنحية عندما يشاهد هذا العدد الكبير من
أشكال العيون والآذان والأنوف والأفواه لأفراد البشر ولكن هذا الشك سرعان ما يزول
إذا ما علم أن هذه الأعضاء مكونة من عدد كبير من الأجزاء وبسبب التوافيق المختلفة
بين هذه الأجزاء ينتج
هذا التنوع الكبير في أشكال الأعضاء. فعلى سبيل المثال فقد وجد العلماء أن هناك
عدة جينات مسؤولة عن تحديد لون قزحية العين ومن توافيقهما تظهر
العيون البنية والزرقاء والخضراء
والعسلية وهكذا هو الحال مع بقية الأعضاء. ولو أن اختيار مواصفات الفرد البشري تتم
بالصدفة عند تصنيعه من برنامج التصنيع المأخوذ من كل من برنامجي تصنيع أمه وأبيه
لكان هنالك احتمالية كبيرة جدا أن تتطابق بصمة الطفل مع بصمة أمه أو بصمة أبيه أو
أن تتطابق بصمة فردين من بين بلايين الأفراد من البشر. ولكن من المؤكد وجود برنامج
معين في برنامج تصنيع أفراد البشر يمنع تكرار حدوث مثل هذا التشابه في أشكال البشر
وأشكال بصمات أيديهم وقزحيات أعينهم وصدق الله العظيم القائل "يَا
أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ
فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)" الانفطار
والقائل سبحانه "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ
أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)" الروم.
لقد كانت الأصناف الجديدة في كل نوع من أنواع
الكائنات تظهر بطريقة طبيعية نتيجة لتزاوج صنفين مختلفين بالصدفة وكانت الأصناف
الجيدة منها هي التي يكتب لها البقاء على الأرض. ومع ظهور الإنسان بدأ بإجراء
عملية تزاوج أو تهجين بين مختلف أنواع الأصناف باحثا عن أصناف جديدة حسنة الصفات
أو كثيرة الإنتاج أو ملائمة لمختلف أنواع التربة والمناخ أو مقاومة للآفات
والأمراض. إن دور الإنسان وهو يقوم بعمليات التهجين لا يتعدى اختيار الأصناف
الجيدة ويزاوجها مع بعض البعض وقد يتطلب العثور على صنف بالمواصفات المطلوبة عشرات
السنين حيث أن تبادل الجينات بين الأشرطة الوراثية تتم بطريقة لا تقع تحت سيطرة
البشر. وكذلك فإن الجينات الموجودة في مختلف الأصناف هي نفسها التي أودعها الله أول
ذكر وأول أنثى خلقهما الله من كل نوع من أنواع الكائنات الحية ولو أن الإنس والجن
قد اجتمعا لتصنيع جين جديد لما استطاعوا فعل ذلك. ولطالما أنتج المهندسون الزراعيون أصناف جديدة من الثمار أو
المحاصيل بمواصفات عالية الجودة من خلال تهجين صنفين ذات مواصفات رديئة وذلك بفضل
اجتماع بعض الجينات المتنحية في برنامج تصنيع الكائن الهجين. وما ينطبق على
الثمرات ينطبق على الحيوانات حيث يوجد في النوع الواحد مئات وربما آلاف السلالات
تتفاوت تفاوتا كبيرا في أشكالها إلا أنه يستحيل أن تعزو أي سلالة إلى غير نوعها ويمكن
التأكد من ذلك من خلال تمعن صور القطط والكلاب والخيول في الصور المرفقة وكذلك هو
الحال مع بقية الحيوانات. لقد كرم الله سبحانه
وتعالى الإنسان بأن أحكم ما ينتج من صفات أفراده عند تزاوج مختلف أنواع سلالته
بحيث لا يوجد تفاوت كبير فيها عن صفات كل من الأبوين. وعلى العكس من البشر نجد أن
هنالك تفاوتا كبيرا في أحجام وأشكال أفراد الحيوانات الناتجة عن تزاوج مختلف
سلالات الصنف الواحد كما نرى ذلك في أشكال الكلاب والقطط والخيل والإبل والأبقار
وغيرها. ففي الكلاب على سبيل المثال قد يصل حجم أكبرها السلالات عشرات الأضعاف حجم
أصغرها وتتفاوت كذلك بعض صفات أجسامه بشكل
ملفت للنظر كطول ولون شعرها وشكل آذانها وذيولها. ونجد هذا التفاوت كذلك في الخيول
فنجد الخيول السريعة جدا أو القوية جدا أو الجميلة الشكل أو غير ذلك وصدق الله
العظيم القائل "خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي
الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ
كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ
دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)" لقمان.
المراجع
1-
القرآن
الكري
2-
بداية الخلق في القرآن الكريم، د. منصور العبادي، دار
الفلاح للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، طبعة 2006م
3-
طبيعة
الحياة، تأليف فرانسيس كريك، ترجمة أحمد
مستجير، عالم المعرفة، أيار 1988م، الكويت.
4-
الجينوم (السيرة
الذاتية للنوع البشري)، تأليف مات ريدلي،
ترجمة مصطفى إبراهيم فهمي، عالم المعرفة، تشرين ثاني 2001م، الكويت.