القنابل الذرية
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم
والتكنولوجيا الأردنية
قام الفيزيائي الألماني الشهير ألبرت أينشتاين
(Albert
Einstein 1879-1955)
في عام 1907م من خلال التحليل الرياضي البحت بإثبات أن الطاقة (energy) والمادة ( mass) ما هما إلا وجهان لعملة واحدة أي أن المادة يمكن أن تتحول إلى طاقة والطاقة إلى مادة من
خلال المعادلة المشهورة التي تنص على أنه إذا كان بالإمكان تحويل كتلة ما إلى طاقة
فإن كمية الطاقة المنبعثة تساوي حاصل ضرب مقدار الكتلة في مربع سرعة الضوء (E= mc2). فعلى سبيل المثال فإن
الطاقة النووية الناتجة عن تحويل غرام واحد من المادة بكامله إلى
طاقة يساوي 85 ألف مليون وحدة حرارية
بريطانية والذي يساوي 25 مليون كيلواط ساعة أو ما يعادل الطاقة الناتجة عن حرق ما يقرب من خمسة آلاف طن
من الفحم الحجري. لقد توصل أينشتاين لهذه النتيجة المدهشة من مبادئ نظرية النسبية الخاصة التي قام بوضعها في
عام 1905م والتي بين فيها أنه لا يمكن لأي جسم مهما بلغ مقدار القوة التي تدفعه أن
تتجاوز سرعته سرعة الضوء. ولا يمكن لهذه الفرضية أن تصح إلا إذا تحولت الطاقة
الناتجة عن قوة الدفع إلى كتلة أي أن كتلة الجسم تزداد مع زيادة السرعة ولقد تم التحقق من صحة هذه النظرية تجريبيا
فيما بعد من خلال قياس كتل الجسيمات النووية التي تم تسريعها لسرعات عالية
باستخدام معجلات الجسيمات (particle accelarators).
الطاقة النووية الكامنة
وفي عام 1911م وبينما كان رذرفورد يحاول
تحقيق حلم البشرية القديم في تحويل العناصر الرخيصة إلى عناصر ثمينة وذلك من خلال
قذف ذرات العناصر بجسيمات ألفا تمكن ولأول مرة في تاريخ البشرية من تحويل عنصر
النيتروجين إلى عنصر الأوكسجين وخلال عملية التحول هذه انطلقت بروتونات تفوق
طاقتها طاقة جسيمات ألفا التي تسببت في خروجها مما يدل على وجود كسب في الطاقة. لقد أثار خبر الحصول على كسب في
الطاقة في تجربة رذرفورد اهتمام العلماء
أكثر مما أثارهم خبر تحويل النيتروجين إلى أوكسجين أو حتى تحويل الرصاص إلى ذهب
فالطاقة لا يمكن أن تقدر بثمن عند الحاجة إليها. وبدأ العلماء يتساءلون عن مصدر
هذه الطاقة وقد تبين لهم بعد قيامهم بدراسات مضنية أن كتلة الذرة للعناصر
المختلفة تقل عن مجموع كتل مكوناتها من
البروتونات والنيوترونات ويمثل الفرق في الكتلة كمية الطاقة التي يلزم بذلها
لتفكيك نواة الذرة وتحرير الجسيمات التي في داخلها والتي أطلق العلماء عليها اسم
الطاقة الرابطة (binding energy). وقد وجد العلماء أن الطاقة الرابطة بين جسيمين نوويين يبلغ في
المتوسط ما يقرب من ثمانية ملايين إلكترون فولت وعند مقارنتها مع الطاقة الرابطة
الكيمائية والتي لا تزيد عن عدة إلكترون فولت يتبين لنا ضخامة هذا الطاقة. وعندما
قام العلماء بحساب الطاقة الرابطة المتوسطة لمختلف العناصر الطبيعية وقاموا برسم
منحنى لها حسب ترتيب العناصر في الجدول الدوري وجدوا أنها تزداد بشكل كبير للعناصر
الخفيفة ثم تثبت قيمتها للعناصر المتوسطة ثم تبدأ بالنقصان التدريجي للعناصر
الثقيلة. لقد ساعد منحنى الطاقة الرابطة بشكل كبير العلماء على تحديد التفاعلات
النووية التي يمكن من خلالها الحصول على كسبا في الطاقة وتبين لهم أن دمج العناصر
الخفيفة لتكوين عناصر أثقل منها قد يؤدي لإنتاج كمية كبيرة من الطاقة في ما يسمى بعملية الاندماج النووي (nuclear
fusion)
وكذلك يمكن إنتاج الطاقة من خلال شطر بعض العناصر الثقيلة فيما يسمى بعملية
الانشطار النووي (nuclear fission).
على الرغم من أن جميع نوى ذرات العناصر
تحتوي على كميات متفاوتة من هذه الطاقة الكامنة إلا أن العلماء لم يتمكنوا من
الحصول عليها إلا من خلال شطر نوى بعض العناصر الثقيلة كاليورانيوم 235 (Uranium
235) والبلوتونيوم (Plotonium) والثوريوم (Thorium) في الانشطار النووي أو
من خلال دمج نوى بعض العناصر الخفيفة كنظائر الهيدروجين (Hydrogen) والليثيوم (Litium) في الاندماج النووي.
وتبلغ كمية الطاقة التي تنبعث جراء انشطار ذرة واحدة من اليورانيوم 235 مائتي
مليون إلكترون فولت بينما ينتج عن دمج ذرتين من الهيدروجين الثقيل لتكوين ذرة
هيليوم واحدة كمية من الطاقة تبلغ 24
مليون إلكترون فولت وإذا ما علمنا أن وزن ذرة اليورانيوم يزيد عن وزن ذرة الهيليوم
بما يقرب من ستين مرة فإن الطاقة الناتجة عن دمج كيلوجرام من الهيدروجين تزيد
بثمانية مرات عن الطاقة الناتجة عن إنشطار كيلوجرام من اليورانيوم 235. وعند
مقارنة الطاقة النووية الموجودة في ذرة يورانيوم واحدة مع الطاقة الكيميائية الموجودة في ذرة فحم واحدة والتي تبلغ أربعة إلكترون
فولت نجد أنها تزيد عنها بخمسين مليون مرة.
ومن الجدير بالذكر أنه عند انشطار كيلوجرام واحد من اليورانيوم 235 فإن الفرق بين كتلة المادة قبل وبعد عملية
الانشطار يساوي غرام واحد أو أقل قليلا أي أن
كمية الطاقة الناتجة عن انشطار كيلوجرام واحد من اليورانيوم 235 تساوي 78
ألف مليون وحدة حرارية بريطانية والذي يساوي 23 مليون كيلواط ساعة أو ما يعادل الطاقة الناتجة عن حرق 4600 طن من
الفحم الحجري. بينما يبلغ فرق الكتلة عند
تكوين كيلوجرام من الهيليوم من خلال دمج ذرتين من
الهيدروجين الثقيل سبعة جرامات
ونصف أي أن كمية الطاقة الناتجة عن تكوين كيلوجرام واحد من الهيليوم تساوي 636 ألف مليون
وحدة حرارية بريطانية والذي يساوي 178 مليون كيلواط ساعة أو ما يعادل الطاقة الناتجة عن حرق 38 ألف طن من الفحم الحجري أي أن الاندماج النووي ينتج كمية من الطاقة
تبلغ ما يقرب من ثمانية أضعاف ما ينتجه الانشطار النووي لنفس الكتلة من المادة.
انشطار
ذرة اليورانيوم
وبعد
أن تمكن العلماء من اكتشاف الطاقة الهائلة التي تحويها نوى ذرات العناصر المختلفة
بدأوا بالبحث عن الطرق التي تمكنهم من
استغلال هذه الطاقة وذلك من خلال دراسة تركيب نواة الذرة لعلهم يعثروا على السر
الذي قد يقودهم لفتح باب هذا الكنز العظيم. وكما سبق للعلماء أن استخدموا أشعة
ألفا لقذف ذرات العناصر المختلفة عند دراسة تركيب الذرة فقد قاموا بعد اكتشاف النيوترون في عام 1932م
على يد الفيزيائي الإنجليزي جيمس تشادوك (James Chadwick 1891-1974) باستخدامها لدراسة تركيب نواة الذرة وذلك لمقدرتها على اختراق
النواة الموجبة الشحنة دون أي مقاومة تذكر لكونها لا تحمل أي شحنة كهربائية. وقد قام
العالم الايطالي الشهير فيرمي (Fermi) في عام 1934م بقذف معظم
عناصر الجدول الدوري بالنيوترونات وتمكن من الحصول على عدد كبير من النظائر المشعة
بسبب التحام هذه النيوترونات بأنوية العناصر المقذوفة. وعندما جاء الدور على قذف
نواة عنصر اليورانيوم لاحظ فيرمي أن نشاطه الاشعاعي قد زاد بشكل ملفت للنظر حيث
انبعثت منه جسيمات وإشعاعات عالية الشدة لا يمكن تفسيرها بافتراض أن اليورانيوم قد
تحول إلى أحد نظائره. وبقي إشعاع اليورانيوم لغزا محيرا إلى أن تمكن العالمان الألمانيان ميتنر () وفريش (Otto Frisch) في عام 1939م من إثبات
أن ذرة اليورانيوم المقذوفة قد انشطرت إلى ذرتين بعد قذفها بالنيوترونات وهما ذرتا
الكريبتون والباريوم ورافق ذلك ظهور كمية كبيرة من الطاقة على شكل اشعاعات وجسيمات
تنطلق بسرعات عالية.
إستغلال
الطاقة الذرية
ومع هذا الاكتشاف العظيم بدأ العلماء بالتفكير بشكل جدي في استغلال هذه
الطاقة الهائلة التي تكمن في قلب ذرة اليورانيوم والتي قد تشكل مصدرا لا ينضب من
الطاقة وتكون بديلا للطاقة الموجودة في الفحم والبترول والغاز والتي توجد في الطبيعة
بكميات محدودة لا تكفي البشرية لأكثر من مائتي عام. ومن المفاجئات السارة للعلماء الذين انصبت جهودهم على دراسة هذه
الظاهرة العجيبة أنهم وجدوا أن انشطار ذرة اليورانيوم لا يتطلب طاقة عالية للنيوترونات
المقذوفة بل إن الانشطار قد يتم بالنيوترونات الحرارية أو البطيئة والتي تقل
طاقتها عن نصف إلكترون فولت مما جعلهم يتفاءلون كثيرا بإمكانية استغلال طاقة الذرة.
أما الاكتشاف الأخر الذي أثار فضول العلماء فهو ظاهرة انبعاث ما بين اثنين وثلاثة
نيوترونات حرة نتيجة قذف ذرة اليورانيوم بنيوترون واحد. ولقد تنبأ العالم الهنغاري
الأمريكي ليو زيلارد (Leó Szilárd 1898=1964 )
في عام 1933م بإمكانية حدوث تفاعل نووي متسلسل (chain reaction) إذا ما توفرت كمية
كافية من اليورانيوم حيث يكفي نيوترون
واحد لبدء عملية التفاعل النووي ومن ثم تتكفل النيوترونات الناتجة من انشطار ذرة
اليورانيوم بإحداث انشطارات متتالية ومتزايدة وتتم هذه العملية في أقل من لمح البصر فتنتج
كمية هائلة من الطاقة على شكل انفجار مذهل.
ولكن فرحة العلماء بهذا الاكتشاف لم تدم
طويلا فقد تبين لهم لاحقا أن النيوترونات البطيئة لا تشطر إلا أحد نظائر
اليورانيوم وهو اليورانيوم 235 والذي يشكل أقل من واحد بالمائة من اليورانيوم
الطبيعي بينما يشكل النظير الاساسي وهو اليورانيوم 238 أكثر من تسع وتسعون بالمائة
وهذا الأخير لا ينشطر إلا بنيوترونات ذات سرعات عالية تزيد طاقتها عن مليون
إلكترون فولت. ولهذا فإن الحصول على التفاعل المتسلسل يتطلب فصل اليورانيوم 235 عن
اليورانيوم 238 وهذا يتطلب وجود معدات في غاية التعقيد حيث لا
يمكن استخدام الطرق الكيميائية في عملية الفصل لكونهما نظيران لنفس العنصر أي أن
لهما نفس الخصائص الكيميائية. لقد كان الحل لعملية الفصل هذه في الاستفادة من الاختلاف
الضئيل في الوزن الذري بين النظيرين لفصلهما عن بعضهما باستخدام الطرق الميكانيكية كقوة الطرد المركزي وكذلك استخدام المجالات الكهرومغناطيسية
وذلك بعد تحويل اليورانيوم إلى مركبات في الحالة الغازية. وإلى جانب التعقيد
البالغ في عملية إستخلاص اليورانيوم 235 من اليورانيوم الطبيعي فإنها عملية مكلفة جدا حيث أن الطن الواحد من
معدن اليورانيوم الطبيعي يتم الحصول عليه من معالجة 25 ألف طن من
خامات اليورانيوم وهذا الطن بدوره لا ينتج
إلا عدة كيلوغرامات من اليورانيوم 235
القابل للانشطار. ومن غرائب الصدف أن يكتشف العلماء في الوقت المناسب عنصر
جديد قابل للانشطار وهو عنصر البلوتونيوم
239 وهو عنصر صناعي لا وجود له في الطبيعة وقد تم اكتشافه في عام 1940م أثناء قذف اليورانيوم
238 بالنيوترونات. وقد تمكن العلماء في أقل من سنتين من بناء مفاعلات لأغراض
إنتاج البلوتونيوم وقد تم إنتاج كميات
كبيرة منه وبكلفة لا تكاد تذكر مع كلفة إنتاج اليورانيوم 235 وتم استخدامها في
تصنيع القنابل الذرية الانشطارية.
القنبلة
الذرية الانشطارية
وفي عام 1942م تمكن الفيزيائي زيلارد بمساعدة الفيزيائي الإيطالي الأمريكي (Enrico Fermi 1901-1954 )
في الولايات المتحدة الأمريكية من إثبات
إمكانية حدوث التفاعل النووي المتسلسل في مفاعل نووي بدائي مكون من ثلاثة أطنان من
اليورانيوم الطبيعي وستة أطنان من الجرافيت جعلت على شكل كومة (pile). وبعد هذا النجاح توقف العلماء في الدول الكبرى عن نشر أية
معلومات عن أبحاثهم في مجال الانشطار النووي إلى أن جاء الخبر في السادس عشر من تموز في عام
1945م عن تفجير الولايات المتحدة الأمريكية لأول قنبلة ذرية انشطارية في صحراء ولاية نيومكسيكو. ولم تمضي عدة أسابيع على
هذا التفجير الرهيب حتى قامت الولايات المتحدة
مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية بإلقاء قنبلتين ذريتين على
مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين
نتج عنهما وفاة أكثر من مائتي ألف إنسان.
ومن حيث المبدأ فإن تركيب القنبلة
الذرية الانشطارية قد يبدو في منتهى البساطة
فبمجرد توفير كتلة نقية كروية الشكل من اليورانيوم
235 أو من البلوتونيوم 239 تسمى الكتلة الحرجة (critical mass) فإنها ستنفجر من تلقاء نفسها محدثة دمارا يزيد بملايين المرات عن
الدمار الذي تحدثه كتلة مماثلة من المتفجرات التقليدية. وعلى الرغم من بساطة مبدأ
عمل القنبلة الذرية إلا أن تصنيعها يتطلب أموالا وجهودا لا يتسنى إلا للدول الكبرى
توفيرها فعلى سبيل المثال فقد أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية على تصنيع أول
قنبلة ذرية ما يزيد عن ألفي مليون دولار وذلك على مدى ستة سنوات امتدت من عام 1939م إلى عام 1945م . ومن المشاكل الصعبة التي
واجهت العلماء عند تصنيع أول قنبلة ذرية هي تحديد مقدار الكتلة الحرجة لليورانيوم
235 وكذلك البلوتونيوم 239 حيث أن خطأ بسيطا في حساباتهم قد يؤدي لانفجار مدمر
أثناء القيام بتصنيع القنبلة. ويقال أن
العلماء الألمان قد أوقفوا العمل في صناعة القنبلة الذرية بسبب الخطأ الذي وقعوا
فيه عند حساب الكتلة الحرجة حيث أظهرت حساباتهم أنها تبلغ عدة أطنان وقد كان من
الصعب عليهم توفير مثل هذه الكمية الضخمة من اليورانيوم 235 النقي. وفي المقابل أظهرت حسابات العلماء الأمريكان أن
الكتلة الحرجة أقل من ذلك بكثير حيث
قدروها بخمسين كيلوغرام لليورانيوم 235 وستة عشر كيلوغرام للبلوتونيوم 239 مما دفعهم للمضي قدما في صناعة
القنبلة الذرية. ويمكن تقليل مقدار الكتلة الحرجة
إلى الثلث من خلال تغليف كرة اليورانيوم بمادة تعمل كعاكس للنيوترونات إلى
داخل الكرة حيث أن نسبة كبيرة من النيوترونات المتولدة تضيع من خلال سطح الكرة في
غياب مثل هذا العاكس.
ويلزم لتصنيع القنبلة الذرية تقسيم كتلة اليورانيوم إلى جزئيين أو أكثر بحيث تكون على شكل كرة عند تجميعها
شريطة أن تكون كتلة كل جزء أقل من الكتلة الحرجة (subcritical
mass) وإلا انفجرت حال
تشكيلها ومن ثم يتم تركيب هذه الأجزاء داخل إطار مشكلة بذلك كرة اليورانيوم
المطلوبة ولكنها لا يمكن لها أن تنفجر بسبب أن أجزاءها لا زالت منفصلة عن بعضها
البعض. ولكي يتم تفجير هذه الكرة يجب أن تلتحم أجزاءها التحاما كاملا لتكوين
الكتلة الحرجة ويتم ذلك من خلال إحاطة الكرة بكمية كافية من المتفجرات التقليدية
التي تولد عند تفجيرها ضغطا كبيرا يقوم بدفع الأجزاء باتجاه بعضها البعض فيتم
التحامها ويبدأ على الفور التفاعل النووي
المتسلسل الذي يقوم بشطر ذرات اليورانيوم في أقل من ثانية فتتولد كمية هائلة من
الطاقة تنطلق على شكل انفجار مرعب. وتشبه القنبلة الذرية المصنعة من
البلوتونيوم تلك المصنعة من اليورانيوم
235 إلا أنها تحتاج إلى مصدر لتوليد النيوترونات يعمل على بدء التفاعل المتسلسل في
الوقت المناسب وتستخدم بعض العناصر المشعة كالبيريليوم والبولونيوم كمصدر لمثل هذه النيوترونات.
وتقاس قوة الانفجار الناتج عن تفجير
القنبلة الذرية بكمية المتفجرات التقليدية التي تلزم لإحداث تدمير مماثل لما تحدثه
القنبلة الذرية فعلى سبيل المثال بلغت قوة انفجار القنبلة التي ألقيت على مدينة
هيروشيما اليابانية عشرة آلاف طن من مادة
التي_ أن_ تي شديدة الانفجار (TNT). ولقد وجد العلماء أن
قوة التفجير هذه كانت أقل بكثير عن القوة
المتوقعة منها وقد كان السبب في ذلك أن
أجزاء كبيرة من كرة اليورانيوم قد تطايرت قبل أن يكتمل انشطار جميع ذرات
اليورانيوم. إن التدمير الناتج عن قنبلة
ذرية بمثل هذه القوة يبلغ من الشدة بحيث
يتم تبخير كل المواد التي تقع ضمن دائرة يبلغ نصف قطرها كيلومتر واحد حول مركز الانفجار حيث تصل درجة الحرارة إلى
عشرة آلاف درجة مئوية ويبلغ الضغط 25 ضغطا
جويا وتصل سرعة الرياح إلى ما يزيد عن 500 كم في الساعة. وكذلك يتم تدمير جميع المنشئات التي تقع ضمن دائرة
نصف قطرها ثلاث كيلومترات تدميرا شاملا
حيث يبلغ الضغط 10 ضغطا جويا وتصل سرعة
الرياح إلى 400 كم في الساعة. وتقوم أيضا بحرق المواد القابلة للاشتعال ضمن دائرة
نصف قطرها خمسة كيلومترات أما
الإشعاعات الذرية فقد تصل إلى عشرات
الكيلومترات فتسبب لمن تصيبه من البشر الأمراض السرطانية والعقم والتشوهات الخلقية
في الأجيال القادمة.
لقد بلغ وزن القنبلة الذرية التي ألقيت
على هيروشيما أربعة أطنان وكانت تحتوي على ستين
كيلوغرام من اليورانيوم 235 وقدرت قوتها التفجيرية باثني عشر ألف طن من تي أن تي. أما القنبلة
التي ألقيت على نجازاكي فكانت تحتوي على
16 كيلوغرام من البلوتونيوم وبلغت قوتها
عشرون ألف طن. وقد تم إلقاء القنبلتين من الجو
باستخدام الطائرات الحربية وانفجرتا
على ارتفاع سبعمائة متر من سطح الأرض وذلك لزيادة المساحة المدمرة.
وفي عام 1949م
قام الاتحاد السوفيتي بتفجير أولى قنابله الذرية الانشطارية وكانت بقوة 21 ألف طن وتبعته بريطانيا في عام 1952م والتي فجرت قنبلة
بقوة 25 الف طن ومن ثم فرنسا التي فجرت في عام 1960م قنبلة بقوة 60 الف طن. أما
الصين فقد فجرت قنبلة بقوة 22 ألف طن في عام 1964م وقامت الهند في عام 1974م بتفجير قنبلة ذرية
بقوة 8 آلاف طن. ومنذ بداية الخمسينات بدأ ت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي
سباقا محموما في صناعة القنابل الذرية
حيث بلغ عددها في ترسانة الولايات
المتحدة الأمريكية في عام 1955م ألفي
قنبلة وفي عام 1965م 32 ألف قنبلة وفي عام
1975م 28 ألف قنبلة. ونتيجة لمعاهدات الحد من الأسلحة الذرية بدأ العدد في التناقص
حيث بلغ ترسانة الولايات المتحدة في عام
1985م 23 ألف قنبلة وفي عام 1995م 14 ألف
قنبلة. أما ترسانة الاتحاد السوفيتي فقد احتوت على مائتي قنبلة في عام 1955م وستة
آلاف قنبلة في عام 1965م و 23 ألف قنبلة
في عام 1975م و 44 ألف قنبلة في عام 1985م و28 ألف قنبلة في عام 1995م. أما
ترسانات الدول الأخرى وهي الصين وبريطانيا وفرنسا فتحتوي على عدة مئات فقط من
القنابل الذرية. وفي عام 2000م تم تقدير
عدد القنابل الذرية في العالم بحوالي ثلاثين ألف قنبلة وتتراوح القوة التفجيرية
لكل قنبلة من هذه القنابل بين مائة ألف وخمسمائة ألف طن ويمكن إيصال هذه القنابل
إلى أهدافها باستخدام الطائرات أو الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى والتي تنطلق
من الأرض أو من الغواصات وحاملات الطائرات.
القنبلة
الذرية الاندماجية أو الهيدروجينية
لقد تبين للعلماء منذ اكتشافهم للطاقة
الرابطة لجسيمات نواة الذرة في منتصف الثلاثينات أن دمج الذرات الخفيفة لتكوين ذرات ثقيلة تطلق كمية من
الطاقة تفوق بكثير تلك التي تطلقها انشطار الذرات الثقيلة. فمن خلال دراسة منحنى الطاقة الرابطة لمختلف
العناصر فقد وجد أن هناك فرقا كبيرا بين
الطاقة الرابطة للهيدروجين والهيليوم يمكن استغلاله لإنتاج الطاقة المطلوبة. وبما
أن نواة
عنصر الهيليوم تحتوي على بروتونين
ونيوترونين فإنه يمكن تصنيعه من خلال دمج أربع ذرات من الهيدروجين العادي أو من
خلال دمج ذرتين من الهيدروجين الثقيل المسمى
بالديوتيريوم (deuterium) والذي تحتوي نواته على بروتون ونيوترون أو من خلال دمج ذرة
هيدروجين ثقيل مع ذرة هيدروجين فوق ثقيل المسمى بالتريتيوم (tritium) والذي تحتوي نواته على
بروتون ونيوترونين. وعند تصنيع ذرة هيليوم من ذرتين من الماء الثقيل تنتج كمية من
الطاقة تبلغ ما يقرب من 24 مليون إلكترون فولت أي أن تصنيع كيلوغرام واحد من
الهيليوم ينتج كمية من الطاقة تساوي كمية الطاقة الناتجة عن حرق ما يقرب من أربعين
ألف طن من الفحم الحجري بينما ينتج من انشطار كيلوغرام واحد من اليورانيوم ما يقرب
من خمسة آلاف طن من الفحم أي أنها تزيد عنها بثمانية أضعاف.
إن عملية الإندماج النووي هي ذاتها التي
تحدث في داخل الشمس وغيرها من النجوم وهي المسؤولة عن توليد هذه الكميات الضخمة من
الطاقة التي تطلقها هذه النجوم. فالشمس على
سبيل المثال تحرق في الثانية الواحدة أكثر
من مليوني طن من الهيدروجين وتنتج من الطاقة ما يقرب من 400 مليون بليون ميجاوات
أي ما يزيد عن مائة بليون مرة عن مجموع ما تنتجه جميع محطات توليد الطاقة
الكهربائية في العالم. وهنالك ميزتان للاندماج النووي مقارنة بالانشطار النووي
أولهما وفرة وقوده وهو الهيدروجين المتوفر بكثرة في مياه المحيطات والذي يكفي
مخزونه لتزويد البشرية بالطاقة لملايين السنين وثانيهما أن مخلفاته من المواد
المشعة لا تكاد تذكر حيث يتلاشى إشعاعها بعد فترات قصيرة بعد حصول التفاعل. ولكن
عملية دمج ذرات الهيدروجين العادي تحتاج
لدرجة حرارة غاية في العلو قد تصل إلى ما يزيد عن مائة مليون درجة وتحتاج كذلك إلى
ضغط يزيد بعدة مليارات عن الضغط الجوي وهذه الظروف لا تتوفر إلا في باطن الشمس
وبقية النجوم. وقد وجد العلماء أنه بالإمكان
تقليل درجة الحرارة اللازمة لعملية الاندماج لعشرات الملايين من الدرجات في حالة
استخدام الهيدروجين الثقيل وفوق الثقيل.
لقد كان الحل الوحيد أمام العلماء
لتوفير درجة الحرارة والضغط اللازمين هو في
تفجير قنبلة ذرية إنشطارية تعمل كفتيل إشعال لعملية الاندماج النووي. ولكن
المشكلة التي واجهت العلماء عند تصميم
القنبلة الهيدروجينية هو كيفية منع أجزاؤها من التطاير نتيجة انفجار القنبلة
الإنشطارية أي أن الأمر يتطلب بدء عملية الاندماج النووي قبل اكتمال الانفجار
الابتدائي والذي لا يستغرق أكثر من جزء من مليون جزء من الثانية. وفي عام 1952م قامت الولايات المتحدة بتفجير أول قنبلة
هيدروجينية بلغت قوتها 10 ملايين طن أي أن قوتها تزيد بألف مرة عن قوة القنبلة الانشطارية التي ألقيت على
هيروشيما وتزيد بخمس مرات عن قوة
التفجيرات التي نتجت عن جميع القنابل
التقليدية التي ألقتها الدول المتحاربة في الحرب العالمية الثانية. ومن حسن
الحظ أن قطر الدائرة التي يتم تدميرها من قبل هذه القنبلة الهيدروجينية لا يزيد
بألف مرة عن تلك التي للقنبلة الإنشطارية بل يزيد بعدة أضعاف فقط عن تلك القيم حيث
أن الجزء الأكبر من طاقة الانفجار يضيع في المنطقة التي تقع حول مركز
الانفجار. وفي عام 1955م قام الاتحاد
السوفيتي بتفجير قنبلة هيدروجينية بقوة مليون وستمائة ألف طن وتبعتها بريطانيا حيث
فجرت في عام 1957م قنبلة بقوة مليون
وثمانمائة طن وفي عام 1961م تمكن الاتحاد السوفيتي من تفجير أقوى قنبلة هيدروجينية
حيث بلغت قوتها 58 مليون طن وفي عام 1967م فجرت الصين قنبلتها الهيدروجينية بقوة 3
مليون طن وفجرت فرنسا قنبلتها في عام
1968م بقوة مليونين وستمائة ألف طن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق