أسامة بن منقذ الكلبي
(الشام 1095-1088م)
أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ لو أعتبَ الدّهرُ
|
وأستَنجِدُ الصَّبرَ الجميلَ ولا صَبرُ
|
وأسأل عن نهج السلو وقد بدا
|
لَعينَيَّ إلاَّ أنَّ مسلَكه وعرُ
|
وكيف التسلي والحوادث جمة
|
إذا ما انقضى أمر يسوء أتى أمر
|
رمَتِنيَ في عشْرِ الثَّمانِينَ نكبة ٌ
|
من الثكل يوهي حملها من له عشر
|
على حينَ أفْنَى الدَّهرُ قَومي ولم تَزَلْ
|
لهم ذروة العلياء والعدد الدثر
|
إذا حاربُوا فالأُسدُ تحمي عرينها
|
وإن سالموا كان التبتل والذكر
|
تُبيحُ وتَحمِي منذ كَانت سيُوفُهم
|
يُباحُ بها ثَغْرٌ ويُحمى بها ثَغرُ
|
مَضَوْا وانطَوَتْ دُنياهُمُ وتَصَرَّمتْ
|
كأنَّهمُ ما عَمُروا ولهَا نَشرُ
|
فلم يبق إلا ذكرهم وتأسفي
|
عليهم ولَن يبقى التأسُّفُ والذِّكرُ
|
وأصبحتُ لا آلُ يُلبُّون دعوتي
|
ولا وطنٌ آوِي إليه ولا وفْرُ
|
كأني من غير التراب فليس لي
|
من الأرض ذات العرض دون الورى شبر
|
رُزئتُ أبَا بكرٍ على شَغَفِي به
|
فيا لهفتا ماذا جني الحادث البكر
|
لِسبعٍ مَضتْ من عُمرِه غالَه الرَّدى َ
|
وكنتُ أُرجّي أن يطولَ به العُمْرُ
|
وقلتُ: عتيقٌ من خُطوبِ زِمانِه
|
عتيقٌ بهذا يُخبرُ الفأْلُ والزّجْرُ
|
فعاجله قبل التمام حمامه
|
ولا عجبٌ قد يُخْضَدُ الغُصُنُ النَّضْرُ
|
ويأمرني فيه الأخلاء بالأسى
|
وهيهات مالي بالأسى بعده خبر
|
يَقولون كَم هَذا البكاءُ ولو بَدَا
|
ضَميرُ الَّذي بي رَقَّ لي وبكَى الصّخرُ
|
وكنتُ أظنّ الدّمعَ يُبْرِدُ غُلَّتِي
|
إلى أن بَدا لي أنّ دمعَ الأسى جَمرُ
|
أبا بكر ما وجدي عليك بمنقض
|
طوال الليالي ما انقضى اليوم والشهر
|
أطلت علي الليل حتى كأنما
|
زماني ليل كله ماله فجر
|
وإنِّي لأسْتَدعِي الكَرى وهو نافرٌ
|
به من جُفوني أن يُلَّمِ بها ذُعر
|
لعل خيالاً منك يطرق مضجعي
|
فأشكو إليه ما رماني به الدهر
|
تمثلك الأفكار لي كل ليلة
|
وتؤنسني أشباهك الأنجم الزهر
|
إذا لج بي شوق أتيتك زائراً
|
فأرجعُ كالمخبولِ دلَّهَه السِّحرُ
|
وماالقُربُ من قبرٍ أجَنَّكَ نَافعي
|
إذا كان فيما بيننا للثرى ستر
|
أقولُ لنفسي حينَ جدَّ نِزاعُها
|
عليك بحسن الصبر إن أمكن الصبر
|
ألسَنا بني الموتَى إليهم مآلُنا
|
بلا مِرْية ٍ والفرعُ يَجذبُه النَّجْرُ
|
فنحن كسفر عرسوا ووراءهم
|
رِفاقٌ إذا وافَوْهُمُ رحَل السَّفْرُ
|
من الأرض أنشئنا وفيها معادنا
|
ومنها يكون النشر والبعث والحشر
|
هي الأم لا بر لديها وردنا
|
إلى بطنها بعد الولاد هو البر
|
ثكول ولا دمع لها إثر هالك
|
وكلُّ رَقوبٍ ثاكلٍ دمعُها هَمْرُ
|
أضلَّ الورى حبُّ الحياة ِ فحازِمٌ
|
خبيرٌ سواءٌ في الضَّلالة ِ والغِرُّ
|
فلا يأمنَنْ غَدْرَ الليالِيَ آمنٌ
|
وإن أمهلته إن إمهالها ختر
|
تُعيرُ وبالقَسرِ العنيفِ ارتجاعُها
|
ولا خير في عاربة ردها القسر
|
ونحنُ عليها عاكِفُون وليسَ في
|
مواهبها عقبى تسر ولا يسر
|
فما بالنا في سكرة من طلابها
|
ومنْ نَالها منَّا يَزِيْدُ به السُّكرُ
|
مضَى مَن مضَى مِمَّن حَبته فأكثَرتْ
|
وراحته من كل ما جمعت صفر
|
وما نال أيام الحياة من الغنى
|
عن الفقر في يوم المعاد هو الفقر
|
يحاسب عن قطميره ونقيره
|
ولم يتبعه منه كثر ولا نزر
|
وهذا هوالخُسرُ المبينُ فما لنا
|
حراص على أمر عواقبه خسر
|
وقد كان في آبائِنا زاجرٌ لنا
|
يبصرنا لو كان يردعنا الزجر
|
تفانَوْا فبطنُ الأرضِ مِن بعدِ وحشَة ٍ
|
بهم آهِلٌ مَستأنِسٌ وخلاَ الظَّهرُ
|
وقد دَرَستْ آثارُهم وقبورُهم
|
كما درسوا فيها فليس لها أثر
|
فهل ليَ في هَذِي المواعِط وَاعِظٌ
|
يُبرَدُ ما يُخفي من الكَمَدِ الصَّدرُ
|
يَحُثُّ على الصَّبرِ الجميلِ فإنَّه
|
يُنالُ به حُسنُ المعُوضَة ِ والآجرُ
|
ومَن نَزعَت أيدي المنية ِ مِن يَدي
|
هو الذّخرُ لي في يومِ يَنْفَعُنِي الذُّخْرُ
|
من كتاب (خمسون ألف بيت من الشعر) \ منصور العبادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق