2013-07-25

والقمر قدرناه منازل


والقمر قدرناه منازل

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية


                إن وجود القمر حول الأرض  وبمواصفات غاية في التقدير تدل على أنه معجزة من معجزات الخالق عز وجل والدالة على وجوده سبحانه وتعالى. فمعظم المواصفات التي يمتلكها القمر تشذ عن القواعد التي تحكم تكون الأجرام السماوية وخاصة الأقمار منها. فنسبة حجم القمر إلى حجم الأرض التي يدور حولها لا توجد أبدا في أقمار المجموعة الشمسية وربما في المجرة كلها وهذه النسبة الكبيرة ضرورية لتأهيل الأرض لتكون صالحة لظهور الحياة عليها. فهذا القمر الكبير يلعب دورا مهما في حفظ مقدار ميل محور دوران الأرض  على ما هو عليه والذي يلعب بدوره دورا مهما في الحفاظ على مناخ الأرض مستقرا ومناسبا لدوام ظاهرة الحياة على الأرض. والقمر بجاذبيته العالية ساعد على تشكل القشرة الأرضية وإحداث تشققات فيها تسمح بحدوث البراكين وإخراج الماء والغازات المختلفة التي في باطن الأرض. ومن خلال ظاهرة المد والجزر يلعب القمر دورا كبيرا في تحريك مياه المحيطات على شكل أمواج ضخمة أو تيارات مائية عميقة تعمل على نقل الحرارة من المناطق الإستوائية الحارة إلى المناطق القطبية الباردة. والقمر بحجمه الكبير يعكس كمية كافية من ضوء الشمس إلى الأرض أثناء الليل ليسهل على البشر تنقلهم وإنجاز بعض أعمالهم. والقمر بدورته الشهرية المنتظمة والمنازل المختلفة التي يحتلها كل يوم سهلت على البشر حساب الأيام والشهور والسنين بطريقة سهلة. ومن عجائب خلق القمر أنه يكمل دورته حول نفسه في نفس الفترة التي يكملها في دورته حول الأرض ولذا لا يرى البشر على الأرض إلا وجها واحدا منه . ومن العجائب في التقدير أن نسبة قطري القمر والشمس هي نفس نسبة بعديهما عن الأرض مما يجعل قرص القمر يتطابق تماما مع  قرص الشمس عند الكسوف  وصدق الله العظيم القائل (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) الفرقان 2.

نشأة القمر

تشكل القمر في نفس الفترة التي تشكلت فيها المجموعة الشمسية أي قبل ما يقرب من 4500 مليون سنة تقريبا وفي الغالب بعد تشكل كوكب الأرض بما يقرب من 50 مليون سنة. وقد وضع العلماء عدة فرضيات للكيفية التي تشكل من خلالها القمر. فكان أول هذه الفرضيات أنه تشكل من خلال انفصال جزء كبير من القشرة الأرضية السائلة بسبب دوران الأرض حول محورها بسرعة كبيرة جدا عند بداية تكونها وقد عمل هذا الإنفصال على إبطاء سرعة دوران الأرض من خلال نقل جزء من طاقتها إلى القمر الذي بدأ بالابتعاد عن الأرض تدريجيا بسبب ظاهرة المد والجزر في القشرة الأرضية السائلة ولكن هذه النظرية تحتاج إلى تفسير مقنع لوجود هذا الزخم الزاوي العالي للأرض عند بداية تكونها. أما الفرضية الثانية فهو أن القمر كان كويكب ضخم كان يسبح في فضاء المجموعة الشمسية  وقد تم أسره من قبل جاذبية الأرض وبدأ بالدوران حولها وقد تم استبعاد هذه الفرضية بسبب التشابهه الكبير  بين

جولوجية كل من القمر والأرض. أما الفرضية الأكثر قبولا فهي أن القمر قد نشأ نتيجة إصطدام كوكب بحجم المريخ بالأرض عند بداية تشكلها وقد كونت المواد المتطاير من الإصطدام بعد تجمعها جسم القمر وهذه الفرضية يمكنها تفسير الزخم الزاوي الكبير لمجموعة الأرض والقمر. ويذهب البعض إلى أن القمر قد تكون نتيجة إنفجار نووي هائل حدث في باطن الأرض يساوي في قوته الانفجار الذي ضرب هيروشيما بمقدار 40 مليون مرة  فقذف بجزء من كتلة الأرض إلى مدار حولها.


خصائص جسم القمر

                القمر هو التابع الطبيعي الوحيد للأرض  حيث يدور حولها في مدار بيضاوي متوسط قطره 384 ألف كيلومتر و هو يتابع الأرض في دورانها حول الشمس.  و القمر جسم كروي الشكل بتفلطح قليل جدا (معامل التفلطح 0. 00125 )  حيث  يبلغ نصف قطره الإستوائي 1738 كم ونصف قطره القطبي 1736كم أي أن قطره يبلغ ما يقرب من 4/1 قطر الأرض وحجمه يقرب من  50/1 من حجمها.  أما كثافته فتبلغ نحو 3,3 غم \ سم3  وهي ما تزيد قليلا عن نصف  كثافة الأرض البالغة 5،515 غم/سم3  ولذلك فإن كتلته تبلغ 7.3477 × 1022  كغ  أي أنها 81\1 من كتلة الأرض البالغة 5.9736×1024  كغ  وتبلغ قوة جاذبيته 6/1 قوة جاذبية الأرض. وبهذه الخصائص يعتبر القمر أكبر قمر طبيعي بالنسبة لحجم كوكبه وهي الأرض وذلك في المجموعة الشمسية.

  وأما تضاريس سطح القمر فهي كما هو الحال مع سطح  الأرض مكونة من سهول وجبال وأودية وتبدو السهول للناظر من الأرض داكنة اللون بسبب أنها مغطاة بمواد بركانية قاتمة اللون. أما الجبال فتبدو من الأرض فاتحة اللون وهي متفاوتة في إرتفاعاتها ويصل إرتفاع أعلى جبالها إلى ثمانية كيلومترات وهي عالية جدا إذا ما قورنت بحجم القمر. أما ما يميز سطح القمر هو كثرة الفوهات البركانية عليه حيث يوجد ما يزيد عن مليون فوهة  يصل قطر أكبرها إلى 250 كيلومتر وقد تشكلت نتيجة إرتطام الشهب والنيازك بسطحه وذلك بسبب غياب الغلاف الجوي الذي يحميه منها كما هو الحال مع الأرض. ومن المفارقات العجيبة أن السهول في وجه القمر المقابل للأرض تشكل 30 بالمائة من سطحه بينما تبلغ  2 بالمائة فقط في الوجه المعاكس  ومن المستبعد جدا أن يكون هذا قد تم بالصدفة مع الإشارة إلى أن كمية الضوء المنعكس عن القمر يعتمد على طبيعة التضاريس.

والقمر جسم معتم غير مشع وما الضوء الذي يشعه إلى الأرض أثناء الليل  إلا ضوء الشمس المنعكس عن سطحه إلى الأرض. وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا حيث فرق بين الضياء الصادر عن الشمس وذلك الصادر عن القمر وذلك في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [يونس: 5] وقوله تعالى (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (الفرقان : ٦١ ) وقوله تعالى: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) [نوح: 16] وقوله تعالى { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } [ الإسراء:12]. والقمر لا يحيط به غلاف جوي و يعود السبب في ذلك إلى ضعف جاذبيته التي لا تتجاوز سدس جاذبية الأرض ولذلك فإن جميع الغازات وبخار الماء التي انبعثت منه عند بداية تكونه قد تسربت إلى الفضاء الخارجي . وبسبب غياب الغلاف الجوي فإنه يتأثر بكامل الإشعاع الشمسي بما فيها الأشعة والجسيمات الضارة كالأشعة فوق البنفسجية و أشعة إكس و أشعة جاما. ويوجد تفاوت كبير في درجة حرارة سطح القمر  حيث ترتفع في النهار  إلى 120 درجة مئوية وتهبط في الليل إلى ما دون الصفر بمقدار 180 درجة وذلك عند خط الإستواء . وينعدم الماء تماما على سطح القمر  وذلك بسبب درجات الحرارة العالية التي يتعرض لها سطحه أثناء النهار والتي تقوم بتبخير الماء وهروبه إلى الفضاء الخارجي بسبب ضعف جاذبيته.  إن غياب الماء و كذلك الهواء على سطح القمر ترك هذا السطح على الحال الذي كان عليه عند نشأته وذلك بسبب غياب عوامل التعرية.

                وفي اختيار هذه الخصائص للقمر مجموعة من أوجه الإعجاز  أولها أن الكثافة المنخفضة للقمر سمحت بزيادة حجمه إلى الضعف تقريبا فيما لو كانت كثافته نفس كثافة الأرض. وبهذا التقدير تضاعفت كمية الضوء المنعكس من القمر إلى الأرض خلال الليل وهذه هي إحدى الوظائف التي خلق الله عز وجل من أجلها القمر. ولو أن كثافة القمر كانت بكثافة الأرض وهو بهذا الحجم لتضاعف إرتفاع أمواج المد في محيطات وبحار الأرض ولتقلصت مساحة القارات بشكل كبير.  أما وجه الإعجاز الثاني فهو أن غياب الغلاف الجوي في القمر يزيد من كمية الضوء المنعكس عنه إلى الأرض حيث أن مكونات الغلاف الجوي تعمل على امتصاص جزء من الأشعة الضوئية الساقطة عليه. أما وجه الإعجاز الثالث فهو أن نسبة قطر القمر  إلى بعده عن الأرض تساوي نسبة قطر الشمس إلى بعدها عن الأرض أي أن قرص القمر يتطابق مع قرص الشمس بالنسبة للناظر إليهما من الأرض وهذا ما يتسبب في حدوث الكسوف الكلي للشمس إذا ما وقع القمر بين الأرض والشمس.

مدار  القمر

                يدور القمر حول الأرض في مدار بيضاوي الشكل  (elliptical) متوسط قطره 384 ألف كيلومتر  بسرعة متوسطة تبلغ  3679 كم\ساعة. ويبلغ أقصى بعد له عن الأرض وهي نقطة الأوج (apogee)  405 ألف كيلومتر  بينما يبلغ أدنى بعد له عن الأرض وهي نقطة الحضيض (perigee)  362 ألف كيلومتر حيث تبلغ اللامركزية (eccentricity) في المدار  0,0549. ويميل مستوى مدار القمر   عن مستوى مدار الأرض حول الشمس بمقدار 5,145 درجة وفي هذا الميل تقدير بالغ الأهمية ففي غياب هذا الميل فإن كسوف الشمس وخسوف القمر سيحدث بشكل كامل مرة في كل شهر قمري. ونظرا لوجود هذا الميل المداري فإن كسوف الشمس وخسوف القمر لا يحدثان إلا إذا وقعا بالقرب من نقاط الإعتدال للمدار القمري أو العقد. إن نقاط الإعتدال وهي تقاطع مدار القمر مع مستوى دوران الأرض حول الشمس ليست ثابتة بل تدور دورة كاملة في كل 18,6 سنة مما يعني تغيير موقعي الأوج والحضيض بالنسبة للشمس .
 

ويكمل القمر  دورة كاملة حول مداره في 27,3216 يوما وهو طول الشهر القمري الحقيقي ولكن نظرا لحركة الأرض حول الشمس فإن طول الشهر القمري بالنسبة للراصد الأرضي يبلغ 29,530589 يوما وهو ما يسمى بالشهر القمري الظاهري.  ويبلغ طول السنة القمرية المكونة من 12 شهرا ما مقداره  354,367068 يوما بينما يبلغ طول السنة الشمسية 365,2422 يوما أي بفارق 10,875 يوما.  ولقد حدد القرآن الكريم علاقة تقريبية بين طول السنة القمرية والسنة الشمسية من خلال تحديد المدة التي مكثها أصحاب الكهف وهم نيام في كهفهم  وهي 300 سنة بالسنوات الشمسية و 309 سنوات بالسنوات القمرية وذلك في قوله تعالى (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) ( الكهف : ٢٥ ).  وعند حساب عدد الأيام في كل من هاتين المدتين نجد أنها تبلغ 109499,42 يوما في الحساب القمري و 109572,66 يوما في الحساب الشمسي  أي بفارق 73 يوما فقط. 

وكما هو الحال مع جميع الأجرام السماوية فإن القمر يدور حول نفسه ولكن بسرعة بطئية جدا حيث تبلغ سرعته عند خط الإستواء 153 كم\ساعة وهي أقل من عشر سرعة دوران الأرض حول محورها.  ويتعامد محور دوران القمر مع مستوى دورانه حول الأرض تقريبا حيث ينحرف بمقدار  1,54 درجة فقط عن الإتجاه العمودي بينما ينحرف محور دوران الأرض بمقدار 23,44 درجةعن الخط المتعامد مع مستوى دورانها حول الشمس. ومن أعجب الظواهر الكونية أن القمر يكمل دورته حول نفسه في نفس المدة التي يكمل فيها دورته حول الأرض تماما وهي 27,3216 يوما أي طول الشهر القمري الحقيقي.  وينتج عن هذه الظاهرة العجيبة أن وجها واحدا للقمر فقط يمكن أن يراه المشاهد من سطح الأرض أما الوجه الآخر فلا يمكن مشاهدته بتاتا من سطح الأرض. ووجه القمر الذي يقابل  الأرض هو الوجه الذي تشكل السهول ما نسبته 30 بالمائة من سطحه بينما لا تشكل السهول أكثر من 2 بالمائة في الوجه المخفي وهذا أيضا من المفارقات العجيبة كما ذكرنا سابقا.

منازل القمر

يعرف منزل القمر على أنه الموقع الذي يحتله القمر  في السماء عند مشاهدته من الأرض وذلك بعد الغروب تماما في النصف الأول من الشهر وقبل الشروق في النصف الثاني. ففي النصف الأول من الشهر  يكون القمر  موجودا في السماء أثناء النهار  ولكن بشكل معتم ولكنه يتحول إلى شكله المضيئ بعد غياب الشمس وبعد ذلك يبدأ بالتحرك غربا إلى أن يغيب تحت الأفق بعد زمن يتحدد من مقدار بعد  القمر عن الشمس عند غروبها. أما في النصف الثاني فإن القمر  يطلع من الشرق وهو مضيئ وذلك قبل طلوع الشمس وينطفأ نوره بعد طلوع الشمس مباشرة. ويتحدد  منزل القمر بناءا على موقع القمر في مداره بالنسبة لموقع الشمس الظاهري وهو نقطة تقاطع الخط الواصل بين الشمس والأرض مع مستوى مدار القمر حول الأرض وذلك عند غروب الشمس .   ويتحدد كذلك من الوقت الذي يتولد فيها القمر وهي اللحظة التي يقع فيها القمر بين الشمس والأرض تماما. وبما أن القمر يتحرك في مداره باتجاه الشرق بمعدل 13 درجة كل يوم (360 درجة\27,32 يوم ) فإن المسافة بين منازل القمر المتجاورة هي 13 درجة وذلك بالنسبة إلى مداره. أما بالنسبة للمشاهد من الأرض فإن القمر يتحرك في فلكه باتجاه الشرق بمعدل  12,2  درجة كل يوم(360 درجة\29,53 يوم ) ولذلك فإن المسافة بين منازل القمر المتجاورة هي 12,2 درجة في المتوسط.  ويلزم القمر لكي ينتقل من منزل إلى منزل مجاور 24 ساعة وهي مدة دوران الأرض حول محورها.  وعلى هذا فإن عدد منازل القمر هو بعدد أيام الشهر القمري ويمكن مشاهدة القمر منيرا  في جميع هذه المنازل باستثناء منزل واحد وهو منزل المحاق حيث يقع فيه القمر بين الشمس والأرض . 

وعلى الرغم من أن نصف سطح القمر يضاء من قبل الشمس باستمرار إلا أن مساحة السطح المضاء الذي يمكن مشاهدته من الأرض يعتمد على منزل القمر. فسطح القمر المضاء لا يمكن رؤيته بتاتا إذا ما وقع القمر بين الشمس والأرض  لأن الوجه المضاء يواجه الشمس بينمايواجه الأرض الوجه المظلم ويسمى القمر في هذا المنزل بالمحاق (new moon). وإذا ما وقعت الأرض بين الشمس والقمر فإن كامل السطح المضاء سيواجه الأرض ويظهر القمر كقرص مستدير لامع ويسمى القمر في هذا المنزل بالبدر أو القمر الكامل (full moon).  ومنزل القمر في حالة البدر يبعد 180 درجة تقريبا وهذا يعني أن القمر يكون في الشرق  تمام عندما تغيب الشمس ويحتاج إلى 12 ساعة تقريبا حتى يغيب. أما بقية المنازل فإنها تتحدد بمجرد تحديد المنزل الأول وهو المنزل الذي يحتله القمر  في أول ليلةمن الشهر القمري.  ويتحدد  المنزل الأول تبعا للوقت الذي يتولد فيها القمر ويقع هذا المنزل في مدى يتراوح بين مستوى الأفق وزاوية تبلغ  12,2 درجة فوق الأفق من جهة الغرب وذلك في المتوسط. وبمجرد تحديد الزاوية فوق الأفق لموقع القمر في المنزل الأول فإن موقع القمر في المنازل الباقية تتحدد بإضافة زاوية مقدارها 12,2 درجة تقريبا أو مضاعفاتها على زاوية المنزل الأول وذلك حسب تاريخ اليوم في الشهر القمري فيضاف   12,2 درجة في اليوم الثاني وضعفها في اليوم الثالث وهكذا دواليك. وبما أن وقت تولد القمر يختلف من شهر إلى شهر فإن منازل القمر لنفس تاريخ اليوم تتغير في كل شهر ولكنها  تقع  ضمن مدى زاوي محدد مقداره  12,2 درجة تقريبا  حيث يجب أن  يؤخذ بالإعتبار موقع القمر في مداره البيضاوي وكذلك خط العرض لمكان المشاهدة وكذلك تاريخ المشاهدة في السنة.

وقد أطلق الناس على  منازل القمر أسماء معينة للتمييز بينها  ففي  الأسبوع الأول من الشهر  يسمى القمر هلالا (Waxing Crescent) وفي نهاية الأسبوع الأول يسمى التربيع الأول (first quarter) وخلال الأسبوع الثاني يسمى الأحدب المتزايد (Waxing Gibbous) وفي منتصف الشهر يسمى بدرا (full moon) وخلال الأسبوع الثالث يسمى الأحدب المتناقص (Waning Gibbous) وفي بداية الأسبوع الرابع يسمى التربيع الثاني أو الأخير (second quarter) وفي الأسبوع الأخير يسمى القمر  أيضا هلالا (Waning Crescent). ونورالقمر في النصف الشمالي  من الكرة الأرضية يبدأ  بالظهور من أقصى يمين قرص القمر على شكل هلال نحيف ثم يزداد تدريجيا حتى يغطي نصف قرص القمر الأيمن في نهاية الأسبوع الأول ثم يزحف النور تدريجيا على النصف الأيسر حتى يغطي كامل قرص القمر في منتصف الشهر. وبعد منتصف الشهر يبدأ النور بالإنحسار تدريجيا عن النصف الأيمن لقرص القمر  ليعيد نفس أشكال الإنارة التي حدثت في النصف الأول من الشهر ولكن بشكل معكوس.  أما في النصف الجنوبي  من الكرة الأرضية فإن إنارة القمر تتم بشكل معكوس حيث تبدأ الإنارة من الطرف الأيسر للقمر ولكن بنفس الخطوات التي تتم في النصف الشمالي للكرة الأرضية وصدق الله العظيم القائل (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) ( يس : ٣٩ ) .

تتحدد بداية الشهر القمري فلكيا من خلال معرفة الوقت الذي تولد فيه القمر وهي لحظة وجود القمر بين الشمس والأرض تماما أو ما يسمى باقتران الشمس والقمر (conjunction). فإذا تولد القمر خلال الأربعة وعشرين ساعة التي تسبق غروب الشمس في يوم ما فإن اليوم التالي هو أول أيام الشهر وذلك لأن القمر سيغيب بالطبع بعد غياب الشمس. وتعتمد المدة التي يمكثها  القمر في السماء بعد غروب الشمس على مقدار عمر القمر مقاسا من ساعة تولده فإذا كان عمر القمر 24 ساعة فإنه سيظهر في السماء على إرتفاع 12,2 درجة تقريبا عند غروب الشمس ويحتاج  52 دقيقة حتى يغيب . وإذا كان عمر القمر 12 ساعة فإنه سيظهر في السماء على إرتفاع  6,1  درجة ويحتاج 26 دقيقة حتى يغيب وأما إذا كان عمره ساعة واحدة  فسيظهر في السماء على إرتفاع  نصف  درجة تقريبا وسيغيب بعد  دقيقتين تقريبا.  وإذا ما أستخدمت الرؤيا بالعين لتحديد بداية الشهر فإن بداية الشهر ستختلف حيث لا يمكن رؤية القمر إذا كان قريبا من الشمس بأقل من ثمان درجات وهذا يعني أن عمر القمر يجب أن لا يقل عن 16 ساعة حتى يمكن  رؤيته بالعين المجردة. وتعتمد إمكانية رؤية الهلال في أول أيام الشهر على عوامل كثيرة أهمها خط عرض مكان المشاهدة فكلما كان أقرب لخط الإستواء كلما كانت الفرصة أكبر حيث أن مسار القمر يكون عموديا على الأفق عند هذا الخط ويزداد ميلانه كلما ابتعدنا عن خط الإستواء. ومن العوامل الأخرى التي تساعد على رؤية الهلال الجديد إرتفاع مكان المشاهدة وصفاء الجو وحدة بصر المشاهد وكذلك بعد القمر عن الأرض حيث يصل الفرق بين الحضيض والأوج إلى 43 ألف كيلومتر أي ما يقرب من 10 بالمائة من متوسط بعده عن الأرض .

لقد شرحنا سابقا الدور المهم الذي لعبه القمر في تشكيل الأرض لتكون مهيأة لظهور الحياة عليها وكذلك الدور الذي يلعبه في حفظ إتزان الأرض وإتزان مناخ الأرض من خلال ظاهرة المد والجزر. أما الأدوار التي يدركها البشر  ويستفيدون منها بشكل مباشر فهي إضاءة القمر للأرض في الليل مما يساعد البشر على إنجاز بعض أعمالهم فيه وكذلك استخدامه كنظام للتقويم الزمني  والتي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى  (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [يونس: 5]  وقوله تعالى (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ) ( الرحمن : ٤ ) .

ظاهرتي الكسوف والخسوف

الكسوف والخسوف ظاهرتان فلكيتان تحدثان عندما تقع مراكز الأجرام السماوية الثلاثة وهي الشمس والقمر والأرض عل خط مستقيم واحد.  فالكسوف (Solar Eclipse) يحدث في النهار عندما يقع القمر بين الأرض والشمس فيحجب ضوئها عن الأرض ويبدو سطح الشمس  مظلما كليا أو جزئيا  للمشاهد من الأرض. أما الخسوف (Lunar Eclipse) فيحدث في الليل عندما تقع الأرض بين القمر والشمس فتحجب ضوء الشمس عن القمر ويبدو سطح القمر  مظلما للمشاهد من الأرض.  ويحدث الكسوف في بداية الشهر القمري عندما يكون القمر في منزل المحاق وهي فترة تولد القمر الجديد والتي يقع القمر فيها بين الشمس والأرض.  أما الخسوف فيحدث في منتصف الشهر القمري عندما يكون القمر في منزل البدر والتي تقع الأرض فيها بين الشمس والقمر. ولو قدر أن يكون مدار القمر حول الأرض متطابقا مع مدار الأرض حول الشمس أو ما يسمى بالمستوى الكسوفي  (ecliptic plane) لحدث الكسوف والخسوف مرة كل شهر قمري الكسوف في أوله والخسوف في منتصفه. ولكن بما أن مدار القمر يميل بزاوية مقدارها 5 درجات تقريبا  عن المستوى الكسوفي فإنه لا يقطع هذا المستوى في كل شهر قمري إلا في موضعين متقابلين على المدار يسميان العقدتان( Nodes)  وهما العقدة الصاعدة (  Ascending Node)    والعقدة النازلة Descending Node)). وكذلك فإن مواضع العقدتين الصاعدة والنازلة في المستوى الكسوفي  ليست ثابتة بل تتحرك على المستوى الكسوفي باتجاه معاكس لاتجاه حركة الشمس وبمعدل 19 درجة لكل سنة شمسية تقريبا وهذا يعني أن العقدتين تعودان إلى الموقعين نفسيهما على المستوى الكسوفي كل 18.6 سنة شمسية. ولذلك فإن الكسوف والخسوف لا يحدثان إلا إذا وقع القمر في إحدى هاتين العقدتيين أو قريبا منهما وكذلك يكون الخط الواصل بين العقدتين على إمتداد الخط الواصل بين الشمس والأرض وذلك لكي تقع الأجرام الثلاثة على خط مستقيم واحد. ولهذا فإن ظاهرة الكسوف والخسوف لا تحدثان كل شهر  بسبب عدم توفر الشرطين الأنفي الذكر كل شهر. وبما أن الشمس تتحرك على الدائرة الكسوفية باتجاه معاكس لحركة العقدتين بمعدل درجة واحدة في اليوم فإن الشمس ستمر مرتين في العقدتين في مدة أقل من سنة شمسية
وهذه المدة تسمى السنة الكسوفية( Eclipse Year) ومدتها  346.62 يوما. ولذلك فإن معدل حدوث الكسوف والخسوف الكليين هو مرتين في كل سنة شمسية لكل منهما.    وبسبب الفرق بين السنة الكسوفية والسنة الشمسية فإن القمر يعود إلى نفس النقطة التي يحدث فيها الخسوف أو الكسوف بعد 18 سنة و 11.3 يوم أو ما تسمى بدورة الساروس للقمر والتي اكتشفها البابليون في عصور قبل الميلاد.

يحدث كسوف الشمس في بداية الشهر القمري حينما يكون القمر محاقا شريطة أن يقع القمر بينها وبين الأرض وهذا لا يحدث إلا إذا كانت الشمس في إحدى العقدتين كما شرحنا ذلك سابقا. ونظرا لقطر الشمس الكبير (1392 ألف كم) مقارنة بقطر القمر الصغير (3476 كم) فإن ظل القمر الواقع على الأرض له شكل مخروطي قاعدته هي قرص القمر ورأسه على بعد  376 ألف كيلومتر من القمر أي أن رأسه يقع عند مركز الأرض تقريبا . وبما أن مدار القمر حول الأرض بيضاوي الشكل فإن المسافة بين القمر والأرض تتراوح بين 362 ألف كم عند الحضيض و 405 آلاف كم عند الأوج وهذا يعني أن ظل القمر لا يغطي إلا مساحة صغيرة جدا من سطح الأرض.   وعند حدوث الكسوف يتقاطع ظل القمر مع سطح الأرض الكروي مشكلا بقعة مظلمة دائرية الشكل يتناسب قطرها عكسيا مع بعد القمر عن الأرض ويرى المشاهد المتواجد ضمن هذه البقعة المظلمة الشمس مكسوفة كسوفا كليا. وتتحرك هذه البقعة المظلمة من الغرب إلى الشرق على مسار يسمى مسار الكسوف الكلي ( Path of Totality ) ويسرعة تتناسب مع محصلة سرعة دوران الأرض حول نفسها وسرعة دوران القمر حول الأرض وهي بحدود 2100 كيلو متر في الساعة.  وتتراوح مدة الكسوف الكلي بين دقيقتين وثمانية دقائق وذلك لأن قطر البقعة المظلمة لا يتجاوز على أقصى تقدير 270 كيلومتر وبما أن سرعة حركة ظل القمر على الأرض تبلغ قرابة 2100 كيلومتر في الساعة فان المسافة 270 كم تقطع خلال مدة سبعة دقائق وأربعين ثانية.  

ويوجد ثلاثة أنواع من الكسوف وهي الكسوف الكلي (total eclipse) حيث يحجب قرص القمر قرص الشمس تماما وهذا يحدث عندما يكون القمر أقرب ما يكون عن الأرض والكسوف الحلقي (annular eclipse) وفيه تظهر الشمس عند كسوفها كحلقة مضيئة تحيط بمنطقة مظلمة بقدر  قرص القمر وهذا يحدث عندما يكون القمر أبعد ما يكون عن الأرض. وهذان الكسوفان لا يحدثان إلا إذا وقعت الأجرام الثلاثة على خط مستقيم واحد أي عندما تقع الشمس في إحدى نقطتي تقاطع مدار القمر مع المستوى الكسوفي. أما النوع الثالث فهو الكسوف الجزئي (partial eclipse)  وفيه يحجب قرص القمر جزء من قرص الشمس وهذا يحدث عندما تكون الشمس قريبة من إحدى نقطتي تقاطع مدار القمر مع المستوى الكسوفي.  إن الكسوف الكلي والحلقي يحدثان مرتين في السنة على أقصى تقدير وقد لا يحدثان بسبب صعوبة توفر شروط حدوثهما أما الكسوف الجزئي فقد يحدث  خمس مرات في السنة وجميع أنواع الكسوف لا يمكن مشاهدتها إلا من مناطق محددة على الكرة الأرضية بسبب صغر عرض المسار الكسوفي الذي لا يتجاوز 270 كم. ومن الضروري التنبيه إلى أن النظر إلى الشمس أثناء كسوفها  ولو لعدة ثوان يسبب تلفا دائما لشبكية العين وقد يسبب العمى بسبب الأشعة المرئية وغير المرئية التي تطلقها الشمس فالشمس وهي غير مكسوفة لا يمكن للعين أن تقحمها.

يحدث خسوف القمر في منتصف الشهر القمري حينما يكون القمر بدرا شريطة أن تقع الأرض بينه وبين الشمس تماما وهذا لا يحدث إلا إذا كانت الشمس في إحدى العقدتين كما شرحنا ذلك سابقا. ويحدث الخسوف عند دخول القمر في ظل الأرض الذي له شكل مخروطي أيضا قاعدته هي قرص الأرض ورأسه على بعد أربعة أضعاف بعد القمر عن الأرض أي أن القمر يمر قريبا من قاعدة الظل وليس عند رأس الظل كما هو الحال في الكسوف . وتبدأ عملية الخسوف بدخول القمر في منطقة شبه ظل الأرض (penumbra) فيبدأ ضوءه بالخفوت دون أن يخسف أو ما يسمى فلكيا بخسوف شبه الظل ثم يدخل القمر تدريجيا منطقة ظل الأرض (umbra) فيبدأ الخسوف الجزئي ثم يخسف كامل قرص القمر عند اكتمال دخوله في منطقة ظل الأرض وأخيرا يبدأ القمر بالخروج من منطقة ظل الأرض فينتهي الخسوف الكلي ثم يحدث الكسوف الجزئي يليه خسوف شبه الظل. ونظرا لصغرقطر القمر (3476 كم) مقارنة بقطر الأرض (12756 كم) وكذلك تدني سرعته في مداره (3679 كم\ساعة) فإن مدة خسوف القمر أطول بكثير من مدة كسوف الشمس حيث تصل إلى ما يزيد عن أربع ساعات لكامل العملية وأما مدة الخسوف الكلي فتبلغ 107 دقائق في أقصاها. ويحدث الخسوف بمعدل مرتين في السنة  وعلى العكس من الكسوف الذي لا يرى إلا في مناطق محددة فإن الخسوف يمكن أن يرى من أغلب مناطق الكرة الأرضية المواجهة للقمر عند حدوثه.

ظاهرة المد والجزر

تنشأ ظاهرة المد والجزر في مياه المحيطات والبحار بشكل رئيسي بفعل جاذبية القمر وذلك بسبب قربه من الأرض وبشكل ثانوي بفعل جاذبية الشمس وكذلك قوة الطرد المركزي الناتجة عن دوران الأرض حول نفسها. والمد هو الارتفاع التدريجي في منسوب مياه سطوح المحيطات والبحار بالتزامن مع حركة سطح الأرض بالنسبة لموقع القمر بينما الجزر هو الانخفاض التدريجي في منسوب هذه المياه بعد زوال تأثير المد. وتعتمد آلية المد على حقيقة أن الجرم الذي يتعرض لجاذبية جرم آخر يتحول من شكله الكروي إلى شكل بيضاوي بحيث تكون الإستطالة في الجزء المقابل للجرم والجزء المعاكس له وذلك على فرض أن جسم الجرم قابل للتشوه كأن يكون مادته سائلة. وعلى هذا فإنه عند تعرض الأرض لجاذبية القمر فإن مياه المحيطات والبحار هي التي تتحول للشكل البيضاوي بينما لا يحدث تشوها يذكر لمكونات الأرض الجامدة.  وعلى هذا فإن المد يحدث بشكل عام مرتين في  اليوم الواحد  وذلك في المنطقة الواحدة من الكرة الأرضية فالمد الأول يحدث عند مرور هذه المنطقة أمام القمر أما  المد  الثاني فيحدث عند وجود المنطقة في الجهة البعيدة من القمر. وأما الجزر فيحدث أيضا مرتين في اليوم الواحد وذلك عند إبتعاد هذه المنطقة عن الموقعين الذين حدث فيهما المد وهما موقعان متعامدان مع موقعي المد.  إن زمن حدوث المد وكذلك إرتفاعه يعتمدان على عوامل كثيرة كخط عرض المنطقة وموقع القمر بالنسبة للشمس وموقع الأرض بالنسبة للشمس ومساحة الكتلة المائية وطبيعة الشواطئ وغير ذلك. وبشكل عام فالمد أعلى ما يكون عند خط الإستواء ويقل تدريجيا مع زيادة خط العرض إلى أن ينعدم عند القطبين ويزداد كذلك عندما يكون القمر بدرا أو محاقا  وكذلك عند  الاعتدالين الربيعي والخريفي.

لعبت ظاهرة المد والجزر دورا بالغ الأهمية في تشكيل الأرض عند بداية نشأتها فبعد أن تكون القمر بعد ما يزيد عن خمسن مليون عام من تكون الأرض كانت الأرض لا زالت كرة ذات مادة أقرب ما تكون للسائلة (magma) ويزداد حجمها شيئا فشيئا من النيازك التي تسقط عليها بشكل كثيف. وكانت هذه النيازك تذوب بما تحمله من معادن مختلفة في هذا البحر المعدني السائل وكان دور القمر من خلال ظاهرة المد والجزر بإعادة توزيع هذه المعادن في معظم أنحاء سطح الكرة الأرضية. وعمل القمر كذلك من خلال ظاهرة المد والجزر على إبطاء سرعة دوران الأرض التي لا يتجاوز طول يومها عند بداية نشأتها عدة ساعات ليصبح طول اليوم على ما هو عليه اليوم  وذلك من خلال نقل جزء من العزم الزاوي للأرض إلى العزم الزاوي للقمر ليدفعه بعيدا عن الأرض. وكذلك لعب القمر دورا في تحريك الصفائح القارية وتشكيل تضاريس الأرض وكذلك إثارة البركاين التي أخرجت الماء وكذلك الغازات التي كونت الغلاف الجو وذلك من خلال تحريك قلب الأرض الصلب والوشاح شبه السائل المحيط به. وكذلك عملت جاذبية القمر على إحداث تفلطحا في شكل الأرض عند خط الإستواء بسبب وقوع مدار القمر  فوق خط الإستواء فوقه تقريبا.

 وأما في الوقت الراهن فإن ظاهرة المد والجزر تلعب دورا مهما في طبيعة مناخ الأرض وذلك من خلال إعادة توزيع مياه المحيطات وكذلك توزيع درجات الحرارة عن طريق نقل الطاقة الحرارية من المناطق الإستوائية الحارة إلى المناطق الباردة الواقعة في اتجاه القطبين من خلال تيارات مائية عميقة في المحيطات. وتلعب هذه الظاهرة أيضا دورا بارزا في نقل وتوزيع الكائنات الحية البحريةإلى  مختلف محيطات وبحار الكرة الأرضية وكذلك أسباب العيش لكثير من الكائنات البرية حيث  تقوم الأمواج بقذف كميات  كبيرة من الكائنات البحرية وخاصة الصغيرة منها إلى الشواطئ ثم تنحسر عنها لتكون طعاما لها. ويمكن الإستفادة من طاقة المد في توليد الطاقة الكهربائية وذلك من خلال حجز ماء المد في خزان كبير ثم استخدامه لتحريك المولدات الكهربائية كما هو الحال مع طاقة مياه السدود والشلالات.

القمر وحفظ إتزان الأرض

يلعب القمر دورا بالغ الأهمية في حفظ إتزان الأرض وبالتالي حفظ ظاهرة الحياة عليها. فجاذبية كواكب المجموعة الشمسية التي تغير مواقعها بشكل مستمر  بالنسبة للأرض تقوم بإحداث تغيير في كل من مدار  الأرض حول الشمس وسرعة دورانها حول نفسها ومقدار  ميل محور دورانها.  أما التغيير ات التي تحدثها الكواكب الأخرى على مدار الأرض حول الشمس فهي طفيفة حيث تعمل على زيادة أو إنقاص بعد الأرض عن الشمس تبعا لمواقع هذه الكواكب. أما التغييرات التي قد تحدثها الكواكب على سرعة دوران الأرض فإن اصطفاف هذه الكواكب بوضعية معينة قد يزيد من سرعة دوران الأرض حول نفسها . وقد وجد العلماء أن القمر من خلال إحداثه لظاهرة المد والجزر يعمل ككابح يعمل على إبطاء سرعة دوران الأرض بشكل بسيط وينتقل هذا النقصان في الزخم الزاوي للأرض إلى القمر فتزداد سرعته وبالتالي يزداد قطر مداره. وقد تم قياس مقدار الزيادة السنوية في قطر مدار القمر فوجدت تساوي 38 ملليمتر بينما تتباطأ الأرض ويزيد طول اليوم بمقدار  ثانية في كل خمسين ألف سنة.

أما التغييرات التي قد تحدثها الكواكب على ميل محور دوران الأرض فهي الأخطر  حيث أن تكرار مرور الكواكب بالقرب من الأرض قد يؤدي إلى حدوث ما ما يسمى بظاهرة الرنين (resonance) وهي زيادة مضطردة في مقدار الميل. ومن المعلوم أن ميل محور الأرض بزاوية معينة يلعب دورا بالغا في تحديد مناخ الأرض من حيث حركة الرياح وكمية التشميس لمختلف أنحاء سطح الأرض وتذويب الجليد القطبي وحدوث الفصول. إن ميل محور دوران الأرض الحالي وهو 23,44 درجة قد حدد مناخ الأرض بالصورة التي هو عليها الآن ولا زال العلماء يدرسون آثار  تغيير هذا الميل عن هذه القيمة على مناخ الأرض وبالتالي على ظاهرة الحياة. ويلعب القمر بسبب قربه من الأرض على استقرار هذا الميل على ما هو عليه من خلال ثبات الزخم الزاوي لمنظومة الأرض والقمر.

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق